للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا صنعت صنيعة أتمتها ... بيدين ليس نداهما بمكدر

وإذا هممت لمعتفيك بنائل ... قال الندى فأطعته لك أكثر

يا واحد العرب الذي ما إن لهم ... من مذهب عنه ولا من مقصر

قوله وإذا صنعت صنيعة، يقول: وإذا اتخذت عند إنسان يداً وأزللت إليه نعمة، فإنك لا تخدجها ولا تترك ترتيبها، لكنك تكملها وتقوم بعنراتها، مصونة منالمن والتكدير، صافية من الشوائب والتعذير؛ ومتى نويت لمجتديك الإفضال عليه اقتضاك كرمك والندى الذي هو همك وسدمك، وقالا وأنت تطيعمها وتوجب مرسومهما: أكثر له ليستغني عن غيرك، ويخلص المن لك. وقوله يا واحد العرب، يجوز أن يتصل بقول الندى ويكون الشاعر حاكياً، ويجوز أن يتصل بمخاطبة الشاعر، والقصد في الدعاء التخصيص والإطراء. والمعنى أنه واحد العرب لا نظير له فيهم، فهو المنظور إليه من بينهم، فلا معدل عنه في المهمات، ولا مقصر دونه في الملمات. والمقصر: الكف والإمساك.

[وقال المعذل]

جزى الله فتيان العتيك وإن نأت ... بي الدار عنهم خير ما كان جازياً

هم خلطوني بالنفوس وأكرموا ال ... صحابة لما حم ما كنت لاقياً

كان المعذل أخذ بجرم، فكفل عليه النهس بن ربيعة العتكي، وكان حيث كفل عليه: دفع إليه فحمله على فرس وبغل، وأمره أن ينجو بدمه، وأسلم نفسه مكانه، فقال المعذل: اختر أن أمتدحك أو أمتدح قومك. فاختار امتداح قومه، فقال: تولى الله عني جزاء فتيان التعيك، فقابلهم بخير ما يجازي به مستحقاً لجزاء، وإن بعدت عنهم، وتناءت داري عن دارهم.

ثم أخذ يقتص ما عومل به فذكرهم وقال: هم الذين خلطوني بأنفسهم، وأسقطوا الحشمة بيني وبينهم، فجعلوني أشاركهم في خيرهم، ولا أتفرد بالضير فيهم؛ ثم إنهم صاحبوني مصاحبة كريمة لما قدر لي ما كنت أكابده، فضموني إلى أنفسهم متكفيلن بي، وصابرين على المكروه دوني، ثم فكوا أسري وأبلغوني مأمني.

<<  <   >  >>