للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبين بهذا الكلام أنهم ناسٌ كما أن خزاعة ناسٌ، فيقول: لا تهابوهم فإن خلقتهم كخلقتكم، وإنهم إذا قتلوا لم يحيوا من فورهم، فيرجعوا إلى القتال. هذا مبالغةٌ في الاستحثاث والتجسير. وجعل قوله: له شعر في الرأس بما بعده، تفسيراً لماثلة وتبييناً. وجواب إن قتلوا فيما تقدم عليه.

أكلما حاريت خزاعة تح ... دوني كأني لأمهم جمل

قوله كأني لأمهم في موضع الحال، أي تحدوني مشبهاً جملاً لأمهم. وكلما ظرفٌ لقوله تجدوني. وكأنه قال: تحدوني خزاعة كلما حاربت، أي تسوقني لنصرها والدفاع عنها، كأني ناضحٌ لأمهم يستقى عليه الماء، فيقال له أقبل بالدلو وأدبر. وذكر الأم تغليظاً للقول وتخشيناً. وقوله أكلما، كأنه أقبل على إنسانٍ بعد أن كان بعثهم وجرأهم على قتال أعدائهم، فقال على طريق الإنكار ما قال.

[وقال الحصين بن الحمام المري]

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدما

يجوز أن يكون هذا مثل قولهم: الشجاع موقى. وفي طريقته قول الآخر:

أكان الجبان يرى أنه ... سيقتل قبل انقضاء الأجل

فقد تدرك الحادث الجبان ... ويسلم منها الشجاع البطل

ومثله قول الآخر:

نهين النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لها

ويجوز أن يقول: أحجمت مستبقياً لعيشي، فلم أجد لنفسي عيشاً كما يكون في الإقدام، وذاك لأن الأحدوثة الجميلة، والنجح عند الناس في المباغي الحميدة، إنما يكون بالتقدم لا بالتأخر، وبالافتخار لا بالانحراف، ومن ذكر بالجميل وتحدث عنه

<<  <   >  >>