الحقير. كأنه قال: حقارة لدنيا نعيمها يزول، وحالها لا يدوم، بل تقلب بأهلها وتتحول، وتتصرف بطلابها وتتبدل. فمن فتح أف فلخفة الفتحة، ومن كسر فلالتقاء الساكنين؛ لأن الكسر فيه أولي، ومن ضم فلإنباع الضمة الضمة. والتنوين فيه أمارة للتنكير، وترك التنوين أمارة للتعريف.
[وقال الحكم بن عبدل]
أطلب ما يطلب الكريم من ال ... رزق بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الثرة الصفى ولا ... أجهد أخلاف غبرها حلبا
يقول: مطالبى من الدنيا ومراغبي على حد من استعمال الكرم والتعفف، لايزري بي نظر الناظر إلي، لأني إذا طلبت أجملت، وإذا سدت مفاقري اكتفيت، ثم لاأعول فيما أزاوله إلا على نفسي، متهماً سعي غيري، وكل ذلك أبقى على مراعاة العفاف والكفاف.
وقوله:(وأحلب الثرة الصفي) يقول: أعلق طمعي بمن إذا استدر حلبه كان غزيراً، لأني لاأسف للمطامع الدنية، ولا أضع نفسي في المواضع الخسيسة. والثرة: الغزيرة. ويقال: عين ثرثار، إذا كانت كثيرة الماء. والصفى: الجامع بين محلبين في حلبة. وقوله (ولا أجهد أخلاف غبرها حلبا) انتصب الحلب على أنه مصدر في موضع الحال. والمعنى: أني لاأطلب الزهيد الحقير القدر، ولا أستدر البكى القليل الدر. والحلب قد يراد به المصدر، وقد يراد به المحلوب.
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في صنيعة رغبا
والعبد لايطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن مشياً إلا إذا ضربا
قوله (إني رأيت الفتى الكريم) يقول: إن من تكرم عروقه وتزكو أصوله، إذا دعوته إلى اصطناع صنيعة، وهززته لابتناء مكرمة، أجابك حريصاً على استغنامه. وترى الدنى الخسيس الهمة والنفس لايطلب ارتفاعاً ولا يكسب ادخاراً، ولا يسمح بشيء إلا عن رهبة، فعل من لايبتغي في مصارفه حمداً، ولايقتني ليومه وغده