للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: لا أحتشم من لا يحتشمني، ولا أتهيبه إذا لم يتهيبني، ولا أرى من إعظام المرء وإجلاله ما لا يراه لي، لكني أوازن الناس في أفعالهم، وأجازيهم على قدر استحقاقهم. وقوله " ما لا يرى ليا " حذف مفعول يرى تخفيفاً، وهذا الحذف سائغٌ إن جعلت ما معرفةً فكان ما بعده صلةً، أو جعلته نكرة فكان صفة.

إذا المرء لم يحببك إلا تكرهاً ... عراض العلوق لم يكن ذاك باقيا

انتصب قول " تكرها " على أنه مصدرٌ في موضع الحال، والتقدير إلا متكرهاً. وانتصب " عراض العلوق " على أنه مصدرٌ مما دل عليه قوله " لم يحببك إلا تكرهاً "، لأن المعنى إذا الرجل عارضك في الحب عراض العلوق لم يكن ذلك الحب باقياً ولا ثابتاً. والعلوق، هي المرأة التي ترأم ولدها وتلسنه حتى يأنس بها، فإذا أراد ارتضاع اللبن منها ضربته وطردته. قال:

وما نحني كمناح العلو ... ق ماتر من غرةٍ تضرب

ويشبه البيت الذي نحن في تفسيره قول الأخر:

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان أنفٍ إذا ما ضن باللبن

؟؟

وقال لعنترة بن شدادٍ

يذبب وردٌ على إثره ... وأمكنه وقع مردىً خشب

هذا ورد بن حابسٍ طلب نضلة الأسدي بوترٍ كان له عنده. فيقول: تسرع هذا الرجل في إثر الهارب منه، واستحث فرسه في لحاقه، فمكنه منه عدو فرسٍ صلبٍ كأنه مرداةٌ. والمردى: صخرة يكسر بها النوى وغيره. ومعنى خشبٍ خشنٌ. ويقال خشبت الشيء خشباً فخشب. والخشب من السيف: الذي بدئ طبعه فلم يلن بعد. وقوله " وقع مردىً " هو من وقعت الحديدة، إذا ضربتها بالميقعة، كأن الفرس كان يضرب الأرض بحوافره ضرب الحديد بالميقعة. ومن

<<  <   >  >>