وإني وإن عاديتهم وجفوتهم ... لتألم مما عض أكبادهم كبدي
لأن أبي عند الحفاظ أبوهم ... وخالهم خالي وجدهم جدي
يقول: أنا وإن كنت متنكراً لهم مستجفياً، وجافياً معهم معادياً، ومتحاملاً عليهم مناصباً، فللعلائق الجامعة بيني وبينهم، والأواصر العاطفة ضميري عليهم، ولأني أرى أطرافي من السبب والنسب تظأرنى وتأبى إلا التحنن لهم، وتضمني فتمنع من الانحراف عنهم - يسوؤني ما يسوؤهم، وأشتكي لشكواهم، وأتألم مما ينالهم، وبحسب ذلك أختار لهم ما أختاره لنفسي، وأريد بهم ما أريد بمن لا يتميز عني، فذلك هو الذي يدعوني إلى استصلاحهم، والوصاة بما يؤدى إلى مصالحتهم، فعل الأمس سهمةً، والأخص نسبةً. وكيف لا أكون كذلك، وإذا حفظنا الحقوق، وراعينا الوسائل والحظوظ تناسقت الأبوة بيننا والأمومة، وتلاحظت البنوة والأخوة.
[وقالت عاتكة بنت عبد المطلب]
سائل بنا في قومنا ... وليكف من شرٍ سماعه
قيساً وما جمعوا لنا ... في مجمعٍ باقٍ شناعه
هذه الأبيات تناسب ما قبلها وتؤدي إلى مثل مؤداها، لذلك قالت سائل بنا في قومنا لأن ما تألمت منه كان في عشيرتها وذويها، وكأن الخطب كان عظيماً، والشر كان مستفحلاً شديداً، فأخذت تبعث على التسآل عنهم في قومهم، إذ كان البلاء لم يعدهم. ويجوز أن يريد: سائل بنا وعن حالنا فيما بين قومنا، كأنه يدعى أن لهم شأناً في قومهم ليس لغيرهم. وقولها وليكف من شر سماعه توجعٌ مما نالهم، واستفظاعٌ لما أجروا إليه فيما أداروا أنفسهم عليه. وظاهر لفظ الأمر للسماع، وهو في الحقيقة للمخاطب، لأن المراد: واكتف إذا سألت من الشر بالسماع دون العيان، فهو في باب الأمر - أعني ليكف - كقولهم في باب النهي: لا أرينك ها هنا، إذ كان المراد: لا تكن ها هنا فأراك. فإن قيل: لم نكر قوله من شرٍ، والذي يومي إليه يجب أن يكون معروفاً مشهوراً؟ قلت: إن فائدة المنكر مثل فائدة المعرف في مثل هذا المكان، ألا