وقولها (طار به ذر ميعة) حكى الحال، والمراد لو شاء أنجاه فرس له ذو نشاط. وقال الخليل: ميعة الحضر والنشاط: أولهما وجدتهما. وقولها (لا حق الآطال) تريد: ذامر الجنبين. نهد، أي غليظ، ذو خصل أي من الشعر.
وقولها:(غير أن البأس منه شيمة) تقول: ثبت ولم ير لنفسه الانقباض والإحجام، لأن الصبر في الشدة والبأس عادة منه وطبيعة، ولأن صروف الدهر تجري إلى النفوس بآجالها، ولكل حي وقت من يوم معلوم، فإذا انتهى العمر به إلى ذلك الوقت انقطع.
[وقال جرير يرثي قيس بن ضرار]
وباكية من نأى قيس وقد نأت ... بقيس نوى بين طويل بعادها
أظن انهمال الدمع ليس بمنته ... عن العين حت يضمحل سوادها
وحق لقيس أن يباح له الحمى ... وأن تعقر الوجناء إن خف زادها
قوله (وباكية من نأى قيس) ألم فيه بقول الآخر:
وكنت أرى كالموت من بين ليلة ... فكيف ببين كان ميعاده الحشر
فيقول: رب امرأة باكية لبعد قيس عن مقر عزه، ومسكن فخره، ونأى قيس الساعة لمنتوى بعده طويل. والنوى: وجهة القوم التي ينوونها، وهي مؤنثة. وأضاف النوى إلى البيتين - وهو الفراق - لأن الغرض في تلك النوى كان مفارقة الأحياء، والتنقل إلى دار القار، فالبين سببها ومقتضيها. وارتفع (بعادها) بطويل، والضمير منها يعود إلى النوى. والواو من قوله (وقد نأت) واو الحال.
وقوله (أظن انهمال الدمع) يريد أن أوقات البكاء متصلة، وآماد سيلان الدموع غير منقطعة، والعين وشؤونها لا تثبت لذلك ولا تقوى به، فلا شكأن سوادها يبطل. وذللك أن مسببات الأشياء إنما تقوى وتدوم بقوة أسبابها ومقتضياتها، فما دام سب البكاء - وهو الحزن والهلع - يملك الباكي ويقود زمامه، فالدمع سائل ذارف، وسواد العين مشف على البطول هالك.