للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكأن المراد أن هذا المعادى الممتلئ غيظاً لما ألقى دلوه يستقي بها الماء من بئر ملأتها شراً وجعلته سقياه.

[وقال سلمى بن ربيعة]

حلت تماضر غربةً فاحتلت ... فلجاً وأهلك باللوى فالحلت

تماضر: امرأته وكانت قد فارقته عاتبةً عليه في استهلاكه المال، وتعريضه النفس للمعاطب فلحقت بقومها، وأخذ هو يتلهف عليها ويتحسر في أثرها وأثر أولاده منها، فيقول: نزلت هذه المرأة بعيدةً منك، فاحتلت فلجاً وأهلك نازلون بين هذين الموضعين. وهذا الكلام توجعٌ. وفلجٌ على طريق البصرة، والحلة: موضعٌ من الحزن ببلاد ضبة، واللوى: رملٌ متصلٌ به رقيقٌ. وبين المواضع الذي ذكرها تباعدٌ. إن قيل لم قال حلت، ثم قال احتلت، وهلا اكتفى بأحدهما؟ قلت: نبه بالأول أنها اختارت البعد منه والتغرب عنه، وبالثاني الاستقرار، فكأنه قال: نزلت في هذه الغربة فاستوطنت فلجاً. وفلجٌ بفتح اللام: موضعٌ. وفلج بسكون اللام: ماءٌ.

وكأن في العينين حب قرنفلٍ ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت

يقول: ألفت البكاء لتباعدها، فساعدت العينان وجادتا بإسالة دمعهما غزيراً متحلبا، واكفاً منهملاً، فكأن في عيني أحد هذين المهيجين الحاليين للعيون. وقوله " كحلت " إخبارٌ عن إحدى العينين، وساغ ذلك لما في العلم من أن حالتيهما لا تفترقان. وعلى العكس من هذا قول امرئ القيس:

وعينٌ لها حدرةٌ بدرةٌ ... شقة مآقيهما من أخر

لأن امرأ القيس وحد في الابتداء ثم ثنى عند رد الضمير، على أنه متى اجتمع شيئان في أمرٍ لا يفترقان فيه اجتزى بذكر أحدهما عن الآخر. وفي طريقة هذا البيت قول ابن هرمة:

وكأنما اشتملت مواقي عينه ... يوم الفراق على يبيس الخمخم

<<  <   >  >>