للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصفه بكرم النفس وكظم الغيظ، واستعمال الحلم في وقته، والانتقام من الأعداء بأشده في إبانه وحينه. فيقول: إذا نال الجاني عليه، أو العدو المكاشح له، عاقبه وهو مجمل، أي لا يشتط ولا يسرف، ولكن ينتهج طرق العدل في الانتقام، ويقصد الحق في إقامة الحد عند التمكن واللزام، وذلك أشد ما يعاقب به مثله، أو عفا عنه غير موبخ على ذنبه، ولا مكدر نعمته في عفوه. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: " لا تثريب عليكم ": لا تخليط ولا إفساد. وقال غيره: لا تعيير ولا توبيخ.

وقوله فعفواً أمير المؤمنين طلب وسؤال، عفواً على المصدر. فيقول: اعف وقد قدرت، واحتسب عند الله بما تأتيه، فهو مكتوب لك إلى يوم فاقتك، ومدخر إلى مجازاتك، فكما تعفو يعفى عنك. وقوله أساءوا فإن تغفر، اعتراف بالذنب، واستعطاف بالغفر. فيقول: إن تجافيت عن إساءتهم واستعملت ما أنت أهله من العفو عنهم، فإن ذاك هو المرجو منك، والمعتاد من نظرك، وأفضل الحلم احتساباً وأجراً حلم المغيظ، والمضجر الممتلك.

فروى أن يزيد لما قرع سمعه هذه الأبيات قال: لولا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم.

[وقال يزيد بن الجهم]

تسائلني هوازن أين مالي ... وهل لي غير ما أنفقت مال

فقلت لها هوازن إن مالي ... أضر به الملمات الثقال

أضر به نعم ونعم قديماً ... على ما كان من مال وبال

يقول: تباحثني هذه القبيلة عن حالي، وتسائلني عن وجوه غناي، ومصارف مالي. وهذا إخبار عنهم وعن مباحثتهم واستكشافهم في إنكارهم. وقوله وهل لي استفهام على طريق النفي، كأنه قال: ومالي مال إلا ما أتلفته ووضعته حيث اخترته. وهذا اعتراض بين الابتداء من هوازن في السؤال وبين ما أتى به في الجواب، وهو

<<  <   >  >>