للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاقله لا يحله ولا ينقض مايبرم منه. وكلام الشاعر سليم من العيب قويم. والمعنى فيه ما ذكرت. وقوله بذلك أوصاني أبي وبمثله، يعني في أمر الضيف أتي، بذا الفعل الذي وصفت وصاني أبي وبما يماثله. ثم قال: كذلك أسلافه أوصوه قديماً. وموضع كذلك نصب على الحال، وانتصب قديماً على الظرف، والمعنى أني لم أرث ذلك عن كلالة، وإنما ورثناه أباً عن أب وخلفاً عن سلف.

[وقال النابغة الذبياني]

له بفناء البيت سوداء فخمة ... تلقم أوصال الجزور العراعر

بقية قدر من قدور تورثت ... لآل الجلاح كابراً بعد كابر

تظل الإماء يبتدرن قديحها ... كما ابتدرت سعد مياه قراقر

أراد بالسوداء قدراً. والفخمة: الضخمة. تلقم: تحتوي وتبتلع لعظمها أعضاء الجزور موفرة. والعراعر: الضخم السمين، وجمعه عراعر، بفتح العين. ومثله جوالق وجوالق. وعرعرة الجبل: معظمه. فيقول: لهذا الرجل بإزاء القوم وفناء الدار منهم، قدر هذه صفتها من العظم، وتضمن أعضاء الجزور موربة لم تنتقص، وهي بقية قدر من قدور تورثت من أسلافهم آل الجلاح كبيراً بعد كبير، ورئيساً بعد رئيس، ولم يوجد كابرا في معنى كبير إلا في هذا المكان. وقد بين بذكر لفظة بعد أن عن في قوله كابراً عن كابر بمعنى بعج. وكان أبو علي رحمه الله يقول قولهم كابراً ليس باسم الفاعل، كالقاعد والقائم والجالس، وإنما هو اسم صيغ للجمع، كالباقر والجامل. والمراد كبراء بعد كبراء.

وقوله تظل الإماء يبتدرن قديحها، يريد وقت القسمة، أي يستبقين طول النهار إليها، وإلى تناول الغرفات منها، استباق بني سعد مياه هذا المكان. وقراقر: موضع فيه ماء لقضاعة، وهو فراطة بين أحيائهم، أي شرع لا تناوب فيه، بل يفوز، بل يفوز السابق إليه. فشبه تبادر الإماء نحو القدر بتبادر بطون سعد إلى تلك المياه. والقديح: فعيل بمعنى مفعول، وهو المرق المقدوح.

<<  <   >  >>