أعيني لم أختلكما بخيانة ... أبى الدهروالأيام أن تتصبرا
وما كنت أخشى أن أكون كأنني ... بعير اذا ينعى أخي تحسرا
ترى الخصم زوراً عن أخى مهابةً ... وليس الجليس عن أخى تحسرا
ترى الخصم زوراً عن أخى مهابةً ... وليس الجليس عن أخى بأزورا
تقول: يا عيني لاأقول إنكما لم تجزعا ولم تذرفا، ولم تخلطا بدمع دماً، فاكون قد خدعتكما بخيانة استعملتها معكما. وكيف لا تكونان كذلك والأيام والليالي امتنعت عليكما أن تتصبرافيها، اذ كانت حملتكما من أعباء الرزية ما استنفد وسعكما، واستغرق طوقكما، حتى نزفت دموعكما، وتوقفت عن الإجابة شؤونكما، فما بقي منكما إلا شفاً.
وقولها:(وما كنت أخشى) يقول: كنت قبل هذه الرزيئة واثقاً بقوتي وصبري، ومسكتي وعقلي، حتى لا أخشى - اذا أخطرت ببالي أحداث الدهر وتأثيرها في الأحبة والأهل - سوء احتمال فيها، وضعف منة عنها، إلى أن نعى أخى فورد له على نفسي ما أبدلني بالتماسك تهالكا، وبالتثبت تساقطا، حتى صرت كأني بعير ألح عليه فتحسر ورزح، وعقل في مبركه بالعجز فما برح.
وقولها (ترى الخصم زوراً) جعلت الخصم للجمع فلذلك قالت زوراً. والمصدر اذا وصف به بقي على حاله فلم يثن ولم يجمع. وقد قيل: خصمان وخصوم، لما غلبت عليه الوصفية وكثر في الاستعمال أجرى عليه حكم الصفة. والمعنى: ترى منابذي أخي منحرفين عنه وعن كل متصل به، مسلمين له ولمن اعلق حبله بحبله، إعظاماً له وتهيباً، وإكباراً وتخوفاً. وترى جلساءه وندماءه مباسطين له ومستأنسين به، لايتداخلهم منه رعب، ولا يقبضهم عنه تجبر وكبر. والختل: