وإني بما يكفي من الزاد أهله ... أقابل بذل المال حلساء أجمعا
يقول: إن أقابل بما يكون فيه كفاية الأهل من الواد بذل حلسي المال كله. فقوله حلساه في موضع الجر على أن يكون بدلاً من المال، ويكون على لغة من يجعل المثنى بالألف في موضع النصب والجر. وأجمعا في موضع الجر، ويكون تأكيداً للمضمر المتصل بحلساه. ولك أن تجعله تأكيداً للمال. وأجود من هذا أن يجعل حلساه مرتفعاً بقوله بذل، فيكون فاعلاً. وقد أضاف المصدر إلى المفعول، كقولك: أعجبني ضرب زيد عمرو. وجعل الحلس باذلاً وإن كان الفعل لصاحبه، على السعة، ويكون التقدير: أني أقابل بما يكتفي به من الزاد أن يبذل حلسا المال جميع ما يحويانه، ويكون على هذا أجمع تأكيداً للمضمر المتصل بحلساه لا غير. والمعنى: إذا حصلت الكفاية لأهل الزاد فإني أنفض الوعاء الجامع للمال، وأفرق كل ما فيه، أي أقتصر على الكفاية، وما تعداه أعده فضلاً. والحلس: الواحد من أحلاس البيت. قال الخليل: وهو ما يبسط تحت حر المناع من مسح وجوالق ونحوهما.
[وقال عارق الطائي]
ألا حي قبل البين من أنت عاشقة ... ومن أنت مشتاق إليه وشائقه
ومن لا تواتي داره غير فينة ... ومن أنت تبكي كل يوم تفارقه
افتتح كلامه بألا، ثم قال: جدد عهدك بصاحبك وسلم عليه، قبل أن تحول النوى بينكما فيهيج شوقك تعشقك له، وبعد الدار منه، وتهييج شوقه لمثل ذلك، لأن جميع ما أقوله من مقتضيات صفاء المقة، واستحكام المحبة. وقوله ومن لا تواتي داره فينة الأحسن أن تفع الدار بتواتي، يريد من لا تقاربك داره إلا ساعة لا تطوعك الزيارة إلا فيها. والفينة: الوقت، ويكون معرفة ونكرة، وقد مر القول فيه، وأنه يجري مجرى الصفات في ذلك إذا جعلت أعلاماً كالحارث والعباس. ولك أن تنصب داره. والمعنى تبكيه أو تبكي عليه، وكذلك قوله تفارقه أريد تفارق فيه فحذف مفعول الفعلين، ولا يمتنع أن يجعل كل يوم مفعول تبكي. والمعنى تتأسف على كلي يوم تفارقه فيه، فتبكيه شوقاً إليه، إذ كان