وهذه الأبيات يزيد تفاصيلها على جملها عند الفحص عنها. وقد وقع دون غايتها قول الآخر وقد سلك مسلكه في تعداد مصارف أموالهم:
ثلاثة أثلاث فإثمان خيلنا ... وإقواتنا وما نسوق إلى القتل
وإن اختلفت الطريقتان. وكل يدعو إلى نفسه في حسنه وشموله واستيفائه.
[وقال منصور بن مسجاح]
ومختبط قد جاء أو ذي قرابة ... فما اعتذرت إبلى عليه ولا نفسي
حبسنا ولم نسرح لكي لا يلومنا ... على حكمه صبراً معودة الحبس
فطاف كما طاف المصدق وسطها ... يخير منها في البوازل والسدس
أصل الاختباط في الورق. يقال: خبطت الورق واختبطته، إذا نفضته من الشجر؛ والمنفوض خبط ومختبط. وكما يستعار الورق فيكنى به عن المال يستعار الخبط فيكنى به عن طلبه. على ذلك قول زهير:
وليس مانع ذي قربى ولارحم ... يوماً ولا معدماً من خابط ورقا
وكأن الاختباط يختص بفعل من يسأل عن عرض، ولا يقف على تحرم أو توسل أو تذرع، ولكن يكون به السؤال وبذل الوجه كيف جاء. وفي الافتعال زيادة تكلف، فلذلك اختص هذا الاختصاص. وعلى هذا قولهم الاكتساب والكسب. وقوله " أو ذي " قرابة "، خص من يمت بالنسب أو السبب فيقول: رب سائل تعرض لنا، أو ذي " نسب اعتمدنا، فلا نفسي احتجزت عنه بمنع، ولا إبلى اعتذرت عليه بعذر. كأن عذر الإبل تأخرها عن مباءتها، أو ذكر وقوع آفة فيها أو تسلط جدب عليها. واحتجاز النفس: بخلها بها، وإقامة المعاذير الكاذبة دونها، وما يجري هذا المجرى.
وقوله " حبسنا ولم نسرح " جواب رب مختبط، وبيان ما تلقاه به عند استقباله من القبول. ويقال: سرحت الماشية بالغداة، إذا أخرجتها إلى مراعبها، وأرحتها إذا رددتها رواحاً إلى أفنيتها. ومفعول " حبسنا " قوله " معودة الحبس "، ومفعول " لم نسرح " محذوف، أي لم نسرحها.