وقوله: لا يفطنون لعيب جارهم، يقول: هم يلابسون الجار على ظاهر أمره، لا يتجسسون عليه، ولا يتطلبون مشاينه ومقابحه، وإن اتفق له ما يوجب عليهم حفظه لعقد الجوار فطنوا له، وحافظوا عليه. وإنما قال هذا لما سار في الناس وجرى مجرى الأمثال، من أن التكرم مكيال ثلثاه حسن الفطنة وحدة الذكاء في العارضات، وأن اللؤم مكيال ثلثاه سوء الفطنة واستعمال التجوز في الواجبات. والفطن: جمع فطن وهو كخشن وخشن.
[وقال ابن عنقاء الفزاري]
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر
دعاني فآساني ولو ضن لم ألم ... على حين لا باد يرجى ولا حضر
فقلت له خيراً وأثنيت فعله ... وأوفاك ماأسديت من ذم أو شكر
يقول: راعي حالي عميلة وتأملها على ما بها، فأنهى رثاثتها واختلالها إلى ماله، متحملاً الشكوى منها على قلبه ونفسه ظاهراً وباطناً، ومسراً ومعلناً، لا يشوبه مداجاة ولا نفاق، ولا يتخلل فعله مخاتلة ولا رياء، بل اعتنى بها على خلوص نية، واهتمام بإحسان مع نقاء طوية. وقوله دعاني فآساني، يقول: ابتدأ في تغيير حالي، وإزالة ما مسني من فقري من ذات نفسه، فجبرني وانتاشني، ولو سعى سعي غيره من البخلاء لم يلحقه مني عيب فيي وقت قد تساوى الناس في المنع واطراح الحقوق حتى لاذو البدو