بالكمد عليه. وقوله وأعلم أن لا زيغ عما منى لها رضاً منه بمحتوم القضاء، وإظهارٌ للتصبر في البلاء، وتحسر على ما فاته من القوم في حالتي الشدة والرخاء. ومنى لها، يعني قدر لها، وأصله مني، فأخرجه على لغته، لأنهم يفرون من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة، فتنقلب الياء ألفاً. والزيغ: الميل والانحراف. وقوله أن لا زيغ أن فيه مخففة من الثقيلة، أراد أنه لا زيغ. والضمير في أنه للأمر والشأن، ولا زيغ في موضع خبر أن.
وقوله وقائلةٍ من أمها من في موضع المبتدأ، وطال ليله في موضع الخبر، كأنه قال: الذي أمها طال ليله. ويزيد بن عمرو مبتدأ آخر وأمها في موضع الخبر، وهو استئناف كلامٍ منقطع عما قبله. ويعنى بيزيد بن عمروٍ نفسه.
وروى الأثرم هذه الأبيات عن أبي عبيدة للنابغة الذبياني، وأثبتها في ديوانه وقد غير أبياته ترتيباً ولفظاً، وقال: إنما هو زياد بن عمرو؛ لأن اسم النابغة زياد، وزعم أنه قالها في وقعة طيئ يوم شراف، غزاهم حصن بن حذيفة ومعه النابغة، فالتفوا بشراف. والناسبون كالكلبي والشيباني واليربوعي والأصمعي، ذكروا أن النابغة هو زياد بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع ابن غيظ بن مرة. وأبو تمامٍ نسبها إلى يزيد بن عمرو الطائي. وفي ألفاظ هذه الأبيات على ما رواه أبو تمامٍ شاهد صدقٍ على أنه ليزيد لا للنابغة. والله أعلم.
ومعنى البيت: رب امرأةٍ قالت متوجعةً متحسرة: من قصد هؤلاء المقتولين، ووفق في الاهتداء فقد أطيل ليله، لأنه يرد منهم على ما يجرح القلب ويطيل السهر. ثم قال يزيد بن عمرو: أنا الشقي الذي أمها واهتدى لها، مجيباً للقائلة. وفائدة اهتدى أن الموضع الذي قتلوا فيه كان كالملتبس عليهم، فصار هو الطالب له، والمهتدي إليه، والمنبه عليه. وانجر وقائلةٍ بإضمار رب، وجوابه من أمها، والجملة في موضع المفعول لقائلة. وقد تعرى قائلة من صفةٍ لها، وأكثر ما يجيء المجرور برب يجيء موصوفاً.
[وقال قسام بن رواحة السنبسي]
لبئس نصيب القوم من أخويهم ... طراد الحواشي واستراق النواضح