للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال الصلتان العبدي]

أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الليالي ومر العشى

إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتى

نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لاتنقضي

ذكر في الأبيات ما تدور عليه دوائر الأيام، وصروف الأزمان، وأنها لاتقف عند غابة، ولا تعرف فيما تجري فيه مقر نهاية، وأن من عادتها تغيير الأمور، وفي تقضيها وقضاياها تحويل الأحوال، فقال: إن كرور الأيام، ومرور الليالي والأوقات، تراها تجعل الصغير كبيراً، والكبير حقيراً، وتجعل الطفل شاباً، والشيخ فانياً، فكلما خلقت جدة يوم جاء بعدها يوم آخر فتى جديد، ونحن فيها ندأب في حاجاتنا، فلا نحن نمل، ولا حاجاتنا تفنى أو تقل، ولا الوقت بنا يقف، ولا واحد منا ينتظر أو يتوقف، إذ كان ذو العيش مآربه متصلة، كما أن أوقاته دائرة متتابعة.

معنى هرمت يومها: ضعفته مسلماً للزوال. ويقال: هو ابن هرمة أبيه، كما يقال: هو ابن عجزة أبيه، لآخر الأولاد، كأنه من الهرم. والهرمى من الخشب: مالاً دخان له، لعتقه وذهاب قوته. والفتى مصدره الفتاء، وضده الذكي. ويقال: فتاء فلان كذكاء فلان وكتذكية فلان.

تموت مع المرء حاجاته ... ويبقى له حاجة ما بقي

إذا قلت يوماً لمن قد ترى ... أروني السرى أروك الغنى

يقول: تموت مع المرء حاجاته. يريد أن المرء ما دام حياً فمآربه وشهواته تتجدد تجدد الأوقات، وأمانيه تتصل ما اتصل عمره، فإذا جاء أجله وتناهى أمده، انتهت مآربه، ووقفت مطالبه.

وقوله (إذا قلت يوماً لمن قد ترى) يريد: وإن سألت كل من تقع عينك عليه من المميزين، عن سراة الرجال وكرامهم، أحالوا على المثرين وإن ضعفت رغباتهم

<<  <   >  >>