وقوله (غنى النفس ما عمرت غنى) ، يريد أن غنى النفس خير من كثرة المال؛ لأن من كان راضياً بماله، غنياً عن غيره بما يحصل في يده، تراه باكتفائه اغنى الموسرين، وفقير النفس وإن ساعده المال، وأطاعه القدر يزداد على مر الأيام وزيادة الحال، حرصاً ونهمةً وشقاء.
وقوله (وليس بنافع ذا البخل مال) ، يريد أن البخيل لاينتفع بماله، لنه يجمعه ويتركه لغيره، والسخاء لايقصر بصاحبه، بل يرفع منه، ويكسبه الحمد والأحدوثة الجميلة.
وقوله (وبعض الداء ملتمس شفاه) جعل الداءللجنس فناب عن الجمع فقال: بعضها يعرف شفاؤه فيطلب إزالته، وداء الحمق لاشفاء له، ولامحيد لصاحبه عنه. وقوله (شفاه) قصر الممدود، وهذا لاخلاف في جوازه على المذهبين.
[وقال يزيد بن الحكم]
يا بدر والأمثال يض ... ربها لذي اللب الحكيم
دم للخليل بوده ... ما خير ود لا يدوم
قوله (والأمثال يضربها) اعتراض دخل بين قوله (يا بدر) وبين دم للخليل من البيت الثاني، ونبه بهذا الاعتراض على أن وصيته وصية حكيم، وأن اللبيب العاقل يأخذ بها ويتأدب.
ومعنى قوله (دم للخليل بوده) أي بودك له، فأضافه إلى المفعول، والمصدر كما يضاف إلى الفاعل يضاف إلى المفعول. وقوله (ما خير ود) استفهام على طريق الاستثباب والقصد إلى النفي والمعنى: أن الوداد إذا لم يصف ولم يدم فلا خير فيه. وقوله (لايدوم) صفة لود. تلخيصه: أي شيء خير ود غير دائم.
واعرف لجارك حقه ... والحق يعرفه الكريم
واعلم بأن الضيف يو ... ماً سوف يحمد أو يلوم
والناس مبتنيان مح ... مود البناية أو ذميم
يقول: ارعف حق الجوار لمجاورك، فإن الكريم هو الذي يعرف حق مثله. وقوله (والحق يعرفه) الواو واو الحال، وهو واو الابتداء. فإذا رويته بالواو يكون حالاً لقوله حقه، كأنه قال: اعرف حقه معروفاً للكرام، وهو معروف للكرام.
وقوله (واعلم بأن الضيف) يقال علمت كذا، وبكذا. وهذه الوصاة بالضيف قد عللها بقوله (سوف يحمد أو يلوم) . والمعنى: أحسن إليه وتفقده، عالماً بأن نزوله بك يجلب حمداً إن أحسنت إليه، أو لوماً إن أسأت إليه أو قصرت في حقه.
وقوله (محمود البناية) أتى بالبناية غير مبنى على مذكر حصل من قبل، ثم ادخل تاء التانيث عليه، فهو كالثناية اسم الحبل، والشقاوة والرعاية والغباوة. ولو كان مبنياً على مذكر لكان (البناءة) لأن الواو والياء إذا كانا حرفي إعراب بعد ألف زائدة تبدل منهما الهمزة. على ذلك: الرعاء والكساء والرداء والباب كله.
ومعنى البيت: ان افعال عقلاء الناس لاتخلو من أن تكون مما يستحق به حمد او ذم، فهم يبنون مبانيهم، ويؤسسون مكاسبهم على أحد هذين الركنين، وذلك لأن الأفعال تابعة للأغراض، وغرض العاقل إليهما ينقسم، فانظر ماذا تجلب على نفسك بما من فعلك، وتدخره من كسبك.
وارتفع (محمود) على أنه بدل من (مبتنيان) ، أو خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هما محمود البنية أو ذميم.