الاستفهام هنا يجري مجرى النفي، كأنه قال: ما ثنيةٌ من ثنايا المجد إلا طلعنا لها. والثنية: فعيلة من ثنيت، أي عطفت وصرفت، وكما استعملت في الجبال استعملت في الأمور والخطات. قال:
وثنيةٍ من أمر قومٍ وعرةٍ ... فرجت يداي فكان فيها المطلع
فلذلك ذكرها هنا مثلاً، والمعنى: إن مطالع الشرف على توعرها أو تسهلها ارتقينا إليها، وأنتم تتهددوننا في غضبكم، والحرق: حرق أحد النابين بالآخر. وقد حرق نابه يحرق ويحرق، حرقاً وحروقاً، من الغيظ. وذكر الخليل: حريق الناب كصريف الناب. و " فلان يحرق على الأرم " ويروى " الأزم ". والأرم: الأكل، والأزم: العض، وهما جميعاً بالأسنان، والمعنى يحرق على أسنانه. والمتوعد يفعل ذلك يظهر به شدة الغيظ. واكتفى بقوله " يحرقون " عن ذكر المفعول، لأن المراد مفهوم. ويقال: اطلع عليه وله، إذا أشرف. والمعنى إنا رددنا على حسدكم لنا، وتغيظكم فينا، قوة وشرفاً، وعزةً وكرماً، حتى لم تبق غايةً من المجد إلا ارتقينا إليها وعلوناها.
وقال سبرة بن عمروٍ الفقعسي
وعيره ضمرة بن ضمرة النهشلي كثرة إبله.
أتنسى دفاعي عنك إذ أنت مسلمٌ ... وقد سال من ذلٍ عليك قراقر
لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى معنى الإنكار. أي لم تنسى مدافعتي عنك حين كنت مخذولاً لا ناصر معك، وقد امتد سيل الذل نحوك فسأل عليك. فإذ ظرفٌ لدفاعي. وقراقر: اسم وادٍ، ويكون ذكره مثلاً. ومن كلامهم:" سال عليه الذل، كما يسيل السيل ". ولا يمتنع أن يكون لحقه ما لحقه من الذل من ناحية قراقر، فلذلك خصه. وقوله " إذ أنت مسلمٌ " يقال أسلمته وسلمته، إذا خليت بينه وبين من يريد النكاية فيه. وأسلمت الصبي في حرفةٍ، إذا أرسلته فيها. وقوله " وقد سال " في موضع الحال، أي أسلمت وحال ذلك.
ونسوتكم في الروع بادٍ وجوهها ... يخلن إماءً والإماء حرائر
قوله " ونسوتكم " مع خبره جملةٌ انعطفت على قوله " وقد سال من ذلٍ " وهذا وصف الحال التي مني بها حين نصره مخاطبه. والمراد: ونساؤكم تشبهن بالإماء،