للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال زفر بن الحارث]

أفي الله أما بحدلٌ وابن بحدلٍ ... فيحيا وأما ابن الزبير فيقتل

كان معاوية بن أبي سفيان لما جعل ابنه يزيد ولي عهده بايعه الناس إلا الحي من قيسٍ، فإنهم قالوا: والله، ما نبايع ابن الكلبية - وذاك أن أم يزيد ميسون بنت مالك بن بحدلٍ الكلبي - فصار في نفس يزيد لقيسٍ ذلك ضغناً وحقداً، وابتدأ الشر بينهم وبين بني أمية، فلما هلك يزيد استخلف ابنه معاوية بن يزيد، وأمه كلبيةٌ أيضاً، وصار حسان بن مالك بن بحدلٍ أخو ميسون وخال يزيد بن معاوية كالمالك للأمر، فكانت خلافته أياماً قليلةً، وتحركت فتنة ابن الزبير، فاضطرب حسان بن مالكٍ في الأمر اضطراباً شديداً، وصار يدعو الناس إلى نفسه تارةً وإلى من يختارونه من بني أمية أخرى، حتى قال الشاعر:

وما الناس إلا بحدليٌ على الهوى ... وإلا زبيريٌ عصى فتزبرا

إلى أن وقع الاختيار على مروان بن الحكم، فلما قام بالدعوة صارت البحدلية معه، فسموا مروانية، وصار السبب في حرب قيسٍ وتغلب أن صارت قيسٌ زبيرية وتغلب مروانية، فيقول زفر بن الحارث وهو رئيس قيس أفي الله يريد: أفي ذات الله ومرضي حكمه أن يطلب حياة ابن بحدل والمتعصبة لبني أمية ومروان وعبد الملك ابنه، ويطلب قتل عبد الله بن الزبير مع فضله وشرفه وسابقته. وهذا الكلام تقريعٌ للناس وإكبارٌ للأمر. وقوله أما بحدلٌ حكم أما أن ينقطع عما قبله، ولهذا عد من حروف الابتداء، ولأنه يتضمن معنى الجزاء والجزاء له صدر الكلام، إذا كان كذلك فكأنه قال: أفي الله هذه القصة وهذا الأمر والشأن. وقوله فيحيا فأخبر عن أحد الاسمين لما علم أن صاحبه في مثل حاله. وفي القرآن: " والله ورسوله أحق أن يرضوه ".

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... ولما يكن يومٌ إغر محجل

إنما قال كذبتم لأن الذي أنكره منهم وقرعهم عليه كان خبراً. ويجوز أن يكون المعنى: كذبتم أنفسكم حين حدثتموها بما لا يتم لكم. وقوله لا تقتلونه ولما يكن يومٌ، يقول: لا تقدرون قبل أن يكون لنا عليكم يومٌ مشهورٌ على قتله، وإذا عجزتم قبله ففي مستقبل الزمان بعده أنتم أعجز، وعن أمنيتكم وترجيم ظنكم أبعد.

<<  <   >  >>