يرقئه انقطاع، في كل وقت ظهر في مرأى العين له جبل من أعلام ارضكم لم يكن يبدو من قبل، وجميع ذلك أعتاده من نفسي، ويدركه من يتأمل حالي، وتصدقه المشاهدة مني.
[وقال ابن ميادة]
كأن فؤادي في يد ضبئت به ... محاذرةً أن يقضب الحبل قاضيه
وأشفق من وشك الفراق وإنني ... أظن لمحمول عليه فراكبه
الضبث: القبض على الشيء؛ ومنه ناقة ضبوث، أي لايشك في سمنها إذا ضبث على سنامها. وانتصب " محاذرة " لأنه مفعول له، وموضع " أن يقضب " نصب من محاذرةً. فيقول: كأن قلبي يعصر بقبض قابض عليه، لخوفي من أن يقطع الوصل قاطعه من البين، ومع ذلك أخاف من وقوعه سريعاً لقوة الأمارات، وتتابع المحذرات المنذرات. وإنما قال " أظن لمحمول عليه، والظن بمعنى اليقين، فهو مثل قوله تعالى: " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ". وقوله " لمحمول عليه " إيذان بأنه ليس يقع عن اتفاق معه أو مشاركة في تدبيره. وأظن مقعوله الأول، والثاني مستدل عليه، لأن المراد ذلك في ظني أو علمي، فهو ملغىً. والقضب: القطع، ومنه سيف مقضب وقضاب. ووشك الفراق: سرعة القطيعة. ويقال أوشك هذا أن يكون، أي أسرع.
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جد البين أم أنا غالبه
فإن أستطيع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
يقول: شارفت فراق الأحبة بالدلائل اللائحة، وأحلف بالله ما أعلم من حالي إذا وقع، أأجزع أم أصبر.
وقوله " إذا جد جد البين " يجوز أن يكون المراد: إذا ازداد جده جداً، كأنه يظهر من جلية أمره ما يزول اللبس والشبهة معه. ويجوز أن يريد: إذا صار هزله جداً، فسماه بما يؤول إليه، كما يقال: خرجت خوارجه، وريع روعه. والمراد أنه