التبس عليه إذا باغته الفراق حاله معه، فلا يدري أي الأمرين يقع: أيغلبه الهوى فيسلبه التجمل، ويلبسه التهتك، أم يغلب بدوام مسكته وكمال تثبته الهوى فيستمر حال السلامة به. ثم قال كالمتسلي والمنقاد لخاتمة الكائنة: فإن أطقت وكان في مقدوري - إذا اجتهدت - غلب الهوى فهو المراد؛ وإن جرى القدر بخلافه فمثل ما أقاسيه يغلب معانيه، ويجتذبه إلى ما يكرهه، وعذره لائح.
وقال آخر:
فيا أهل ليلى أكثر الله فيكم ... من أمثالها حتى تجودوا بها ليا
فمامس جنبي الأرض إلا ذكرتها ... وإلا وجدت ريحها في ثيابيا
بنى الكلام على أن عشيرتها والمالكين أمرها إنما ضنوا بها لأنها معدومة النظير فيهم، وأقبل يستعطفهم ويدعو لهم بأن يكثر الله أمثالها وأشباهها فيهم، حتى يتركوا المنافسة، وتحتمل قلوبهم الجود له بها. وقوله فما مس جنبي الأرض إلا ذكرتها يريد: ما اضجعت للمنام خالياً بنفسي إلا امتنع النوم فقام ذكرها مقام خيالها، ثم صرت من الشوق والتحفي أتصورها معي، وأجد رائحتها في ثيابي. وهذا المعنى هو مخالف لمعنى الأنس بالخيال.
وقال آخر:
تقول العدى لا بارك الله في العدى ... قد أقصر عن ليلى ورثت وسائله
ولو أصبحت ليلى تدب على العصا ... لكان هوى ليلى حديثاً أوائله
يروى: وارثت وسائله. المراد بالعدى الوشاة المفسدون. وأصل البركة الثبات مقترناً بالنماء ومنه مبرك الإبل، وبراكاء القتال. ويقال: أقصر عن الشيء، إذا كف عنه وهو يقدر عليه؛ وقصر عنه، إذا عجز؛ وقصر، إذا فرط. يقول: ادعى الوشاة أني قد كففت عن ليلى وزال ولوعي بها، وأن وسائلي لديها قد أخلقت وتقطعت، فلا بارك الله فيهم فإنهم ادعوا باطلاً، واختلفوا إفكاً، ومرادهم إفساد قلبها علي، وصرفها عن الإنطواء على الجميل لي وفي. ثم ذكر ما دل به على بقائه على العهد، واستمراره في