للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال رجل من بني أسد]

يرثي أخاه وكان مرض في غربة، فسأل الخروج به هرباً من موضعه، فمات في الطريق:

أبعدت من يومك الفرارفما ... جاوزت حيث انتهى بك القدر

لو كان ينجى من الردى حذر ... نجاك مما أصابك الحذر

يروى: (أبعطت) ، والإبعاط والإبعاد متقاربان. فالإبعاط: الإسراع في السير. ويقال: أبعطت من الأمر، إذا أبيته وهربت منه. ويروى: (أسرعت من يومك الفرار) والأول أشهر وأجود، لأن من يتعلق فيها بأبعدت. والمعنى: فررت من أجلك فراراً بعيداً. ومعنى (من يومك) من آخر أمدك. وإذا رويت (أسرعت) احتجت إلى إضمار فعل يتعلق به من، ولا يجوز تعلقه بأسرعت، ولا بالفرار لأنه يكون من صلته وقد قدم عليه. وقوله (فما جاوزت حيث انتهى بك القدر) يريد أن الحذر لا يغني من القدر، وأنك وإن تحزمت في تغيير الأماكن تباعداً من المحذور، وتنقلت في المنازل هرباً من القدر المحتوم، فما وجدت فيه واقية لنفسك، ولا جاوزت الوقت المرصد لحينك. وجعل قوله (حيث انتهى) اسماً، فهو في موضع المفعول لجاوزت. ومثله في القرآن: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) . ومن محكى كلامهم وفصيحه: (هي أحسن الناس حيث نظر ناظر) يعني وجهها.

وقوله: (لو كان ينحني) جواب لو قوله (نجاك) . والمعنى: إنك لم تؤت من تضجيع وقع منك، أو إغفال اعترض دون طالبك؛ فلو كان يخلص من الموت توق لوقاك ما أخذت به نفسك من الحذر الشديد، والهرب البعيد؛ ولكن هو الموت الذي لا منجى منه ولا تهرب عنه. وكل هذا النوع توجع وتحسر، واعتراف بالقصور والعجز لدى مبرم القضية.

يرحمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو وده كدر

فهكذا يذهب الزمان ويف ... نى العلم فيه ويدرس الأثر

<<  <   >  >>