وقالت تجنبنا ولا تقربننا ... فكيف وأنتم حاجتي أتجنب
يقول: أتتنا هذا المرأة سحراً فقلت مسلماً عليها: عليك سلام الله هل لما فات من أيام الوصال والإقبال على الإحسان مطلب لي فأسأله. فقالت لي مجيبة: جانبنا ولا تدنون منا. فقلت: أنى يكون مني مجانبة وأنتم في الدنيا حاجتي ومناي، ولا اختيار مع الضرورة، كما أنه لا غنى عن الفاقة. هذا هو ظاهر الكلام. وقد رأيت من يفسره على أن المراد بآخر الليل آخر أيام الشباب. وكان يروى: عليك سلام بفتح الكاف، ويجعل الخطاب والتسليم من المرأة للرجل، ويقول: إنما حيته بتحية الموتى لتولي أيامه، وتناهي عمره، وقولها: هل لما فات مطلب من كلامها معاتبة، كأنها أنكرت التعرض لها وقد فاته دالة الشباب، وشفاعة النضارة والإقتبال. والأولى ما قدمته.
يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب
لقد جل خطب الشيب إن كنت كلما ... بدت شيبة يعرى من اللهو مركب
المضمر في يقولون المتعصبون للمرأة والناس. يريد: عيروني بتعاطي الصبا واللهو واللعب، بعد تقضي الثلاثين من أيام عمري فقالوا: هل بعد الثلاثين ملعب، أي لا ينبغي اللهو لمثلك، فقلت لهم: وهل قبل الثلاثين ذلك. والمعنى أن من عد ما دون الثلاثين فهو في عداد الصبيان، لا يعرف اللذات، ولا يصلح للبطالات. ويجوز أن يكون المراد: وهل تسهل لي قبل الثلاثين شيء من مباغي اللهو واللعب فينكر مني طلبي إياه بعده.
وقوله: لقد جل خطب الشيب، لقد جواب يمين مضمرة، ولك أن تروي أن كنت كلما، والمعنى لأن كنت كلما. ولك أن تكسر الهمزة فتكون إن المفيدة للشرط، والمراد: إن كنت كلما بدت في رأسي لمعة من الشيب يلزم منها أن أعرى مركباً من مراكب اللهو، فلقد عظم خطب الشيب، ويكون جواب إن في قوله لقد جل خطب الشيب، وكلما في موضع الظرف.
[وقال كثير]
وأد نيتني حتى إذا ما فتنتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح