للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

؟

[وقال عصام بن عبيد الله]

أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام

أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم ... في الحق يدخلوا الأبواب قدامى

قوله (مغلغلة) أي رسالة يغلغلها إلى صاحبها. وهو من قولهم: تغلغل الماء، إذا دخل بين الأشجار، وغلغلته أنا. وقال الدريدي: الغلغلة: دخول الشيء في الشيء. وقال الخليل: الغلغلة: سرعة السير. يقال تغلغلوا ومضوا. ورسالة مغلغلة: محمولة من بلد إلى بلد. وقوله (وفي العتاب حياة بين أقوام) اعتراض، وقد مر القول في فائدة الاعتراضات. والمعنى أنهم ماداموا بتعاتبون فإن نياتهم تعاود الصلاح وتراجعه، وإذا ارتفع العتاب من بينهم انطوت صدورهم عن الإحن والضغائن، وظهر الشر على صفحات أقوالهم وأفعالهم، فاهتاجت الحميات، وأنتجت من سوء عقائدهم البليات. وفي طريقته قال أبو تمام:

إن الدم المغتر يحرسه الدم

وقال غيره: (القتل أقل للقتل) . فأما قول الله تعالى: ولكم في القصاص حياة فإن بلاغة القرآن لا تدانيها بلاغة، وكل كلام وإن علا ينحط دونه. والرسالة قوله: أدخلت قبللي يوماً. والمعنى أنك قدمت على في الإذن والدخول قوماً لم يكن من حقهم أن يتقدموا على إذا وردنا الأبواب، ولا بلغت من محالهم ورتبهم أن ترفع على ما يقسم لي في مجالس الكبار. وقوله (أن يدخلوا الأبواب) حقه عند سيبويه أن يقال أن يدخلوا في الأبواب، يجعله مما يتعدى في الأصل بحرف الجر ثم يحذف الجار من اللفظ تخفيفاً. ومسألة الكتاب: دخلت البيت. وغيره يذهب إلى أنه مما يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر، وفي أنهم يقولون دخلت في الأمر فيعدى بفي لا غير، وأن ضده وهو خرجت يتعدى بحرف الجر، بيان لصحة قول سيبويه.

ولو عد قبر وقبر كنت أكرمهم ... ميتاً وأبعدهم من منزل الذام

<<  <   >  >>