للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضخما، وجماله باهراً ومنظره رائعا، كرجلٍ كريم سرادقة ظلال السيوف، وقد غشيت بما تفيء عليه، ثم يمشي قدام أتباعه وأصحابه برايته مشي الأنكب. والأنكب: الذي أحد منكبيه أشرف من الآخر. وهذا تصويرٌ في التشبيه. وإنما يتحمل الراية بنفسه إذا لم يأمن عثرة حامله وإسقاطه إياها عند ما يغشاه من الذعر، فهو يمشي بها لينظر أصحابه إليها فيثبتون معه، ويحاربون على مراده وهواه.

فتح الإله بشدةٍ قد شدها ... ما بين مشرق أهلها والمغرب

جمع ابن مروان الأغر محمدٌ ... بين ابن الأشتر وبين المصعب

يقول: فتح الله تعالى على يده بما توحده به من فضله، وسعيه وجده، ما بين أقاصي الشرق والغرب، بحملةٍ حملها في جوانبها، ثم جمع بين قتل الأشتر ومصعب بن الزبير، فأراح العباد والبلاد منهما، وأزاح عن الإسلام والمسلمين شرهما وفتنتهما. وإنما قال " بشدة " لما تعجل وترادف من الأمور في نهضاته، وتسرع وترافد من كسر الجمهور عندما تكلف من مداراتهوقوله " أشترهم " أضافه إلى من كان يدين له، ويدخل تحت طاعته وهواه.

[وقال الكميت في مسلمة بن عبد الملك]

فما غاب عن حلمٍ ولا شهد الخنا ... ولا استعذب العوراء يوماً فقالها

يدوم على خير الخلال ويتقي ... تصرفها من شيمةٍ وانفتالها

وتفضل أيمان الرجال شماله ... كما فضلت يمنى يديه شمالها

يقول: ما أخل هذا الممدوح بالأخذ بالحلم، وترك السفه والجهل في مشهدٍ من المشاهد، وعند حضور أمر من الأمور، ولا استحسن الفاحشة فرضى بها أو تولاها، ولا استطاب اللفظ بالكلمة القبيحة فتفوه بها يوماً أو توخاها، لكنه يدوم على

<<  <   >  >>