كان ما يرى بيننا ويشاهد قدراً قدره الله تعالى، يعطيك منا ما تستغنيه وتستفضلينه، ثم يمنعنا مثل ذلك منك فلا يوجبه لنا، فما أعطانا النصفة في القضية، ولا سار بالسيرة المحمودة في الحكومة.
وقوله جنية، يريد أن فعلها مباين لفعل الإنس، وكذلك شكلها وحسنها، فإما أن تكون من الجن، أو لها من الجن من يعلمها فتتان العقول، واختبال الأفئدة في الصدور. وقوله بسهم ماله وتر، يريد سهماً لا ينزيه الوتر على القسي، بل تهيئه مقل العيون، ونواظر الفتون، إصابة حبات القلوب، وانتظام غرات النفوس.
[وقال توبة بن المضرس]
يقول أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شفت النفوس يضيرها
اليس بضير العين أن ترد البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
يقال: ضاره يضيره، في معنى ضره يضره. وشف النفوس، أي آذاها وأذابها. والمعنى: أن الناس يطيبون قلبي ويرومون بمحاجتهم لي تسليتي، ويقولون إن بعدها لا يورثك خبالاً، ولا يكسبك ضرراً ووبالاً، بل يعقبك سلوة، ويبدلك من التأنس بالاجتماع معها نفرة، فأثبت ما نفوه، وأبطلت ما ألقوه، وقلت: بلى كل ما يذيب النفس ويهزلها، ويسلبها القرار ويقلقها، فهو عائد بأكمل الضرر عليها، ثم رددتهم إلى الشاهد مستدلاً بها، فقلت: أليس العين إذا أديم البكاء بها، ومنسع النوم وما يلتذ به من مسارح اللهو والسرور منها، يضرها ذلك؟ كذلك النفس إذا جمع عليها مالا تهواه، وفرق بينها وبين ما تلتذه وترضاه.