وصف حسن صبرهم، على ما يتفق من نائبةٍ، ويتجدد من عارض حادثةٍ، فيقول: نبكي قتلاكم إذا قتلناكم لما يجمعنا وإياكم من الرحم الماسة، والقرابة الدانية، ونقتلكم إذا أحوجتمونا إلى قتلكم، كأنا لا نبالي بما يمنع من ذلك، أو يدعو إلى الجزع له. وقوله نبالي نفاعل من البلاء. فإذا قال لا أباليه كأنه أراد: لا أحتفل به فأعاده بلائي وبلاءة وأفاخره. هذا أصله، وقد مضى. وحكى سيبويه: ما أباليه بالةً، وذكر أن البالة كالحانة، وأنا حذف ياؤه حذف تخفيف لا حذف قياسٍ.
يقال: نشدتك الله والرحم، وناشدتك الله، أي سألتك بالله وبالرحم. يقول: أقسمت على زيادٍ بالله وأهل المجلس بيننا حاضرون، ولما يأتيه كلٌ منا مشاهدون، وذكرته ما يجمعني وإياه من الرحم من جهة هذين الرجلين، وإنما ذكره بهذا على زعمه طلباً للصلح، أو استظهاراً بإقامة الحجج عليه، وإلقاء مغاليق البغي إليه.
فلما رأيت أنه غير منتهٍ ... أملت له كفى بلدنٍ مقوم
يقول: لما وجدته لا ينتهي بالقول، ولا يرعوي بالزجر، حذرت له كفى برمحٍ لينٍ مثقفٍ فطعنته. وقوله أملت له، أي من أجله كفى بلدنٍ، من فصيح الكلام، وبليغ الكنايات.
ولما رأيت أنني قد قتلته ... ندمت عليه أي ساعة مندم
يقول: لما بان لي إتيان تلك الطعنة عليه ندمت في وقتٍ لم تتفع الندامة فيه، لفوت الأمر في الإبقاء. وهذا في إظهار التحسر به كقول الآخر:
وددت وأين ما مني ودادي
وانتصب أي ساعةٍ على الظرف، لأن أياً لما كان للبعض من الكل جعل حكمه حكم المضاف إليه من جميع الأجناس.