فقد كان أوصاني أبي أن أضيفكم ... إلي وأنهى عنكم كل ظالم
نبه بهذا الكلام على استعلائه عليهم قديماً وحديثاً، وأنهم كانوا لهم كالخول والتبعٍ، وأن الأسلاف كانت توصي الأخلاف بهم لتطاول أيامهم في جنبتهم، واكتناف العناية بهم من ماضيهم وغابرهم.
وقال إبراهيم بن كنيفٍ النبهاني
تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معول
الخطاب بهذا الكلام للنفس على طريق التسلية، فيقول: تصبر فإن الصبر بالرجل الكريم أحسن من التخشع فيما لا يحسن الخضوع فيه وله. والأصل في الصبر الحبس، ومنه قولهم: قتل فلانٌ صبراً. وقوله " وليس على ريب الزمان معول "، يريد به أن الأحداث لا تقف على شيء بحكم واحد، ولكنها تتنقل وتتبدل، فلا متكل عليها، ولا معتمد على عهدها، فهي كما تحسن تسيء، وكما تدوي تداوى، وكما تجمع تفرق. وقوله " تعز " هو من عزا الرجل وعزي الرجل، إذا صبر عزاءً، ورجل عزيٌ أي صبورٌ. وفي بناء تفعل زيادة تكلف، ودلالة على فرط تعمل. والمعول: المحمل والمتكل. والحر أصله الأعتق من كل شيء والأكرم، ولذلك قيل لما بدا من الوجه في اللقاء: حر الوجه. قال الشاعر:
لقد شان حر الوجه طعنة مسهر
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... ببوسى ونعمى والحوادث تفعل
قوله " والحوادث تفعل " يسمى اعتراضا، ومثل هذا من الاعتراض يزيد القصة تأكيداً، وهو ها هنا حائلٌ بين الجزاء وجوابه، لأن جواب إن تكن قوله " فما لينت منا قناةً صليبة " وحسن الكلام به جداً إذا كان تأكيداً لما يقتصه من تحول الأحوال،