للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسلط عليه التغيير. وقوله:

والدهر ليس يناله وتر

يريد أنه يتر غيره فلا يوتر، وينكى فلا يجازى، فليس معه الا الاستسلام لحكمه، والرضا بمحتومه. وهذا الذي جعله للدهر، الفاعل له القادر على كل شيء، تعالى عن الأشباه.

كنت الضنين بمن أصبت به ... فسلوت حين تقادم الأمر

ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند نزولها الصبر

قوله " كنت الضنين " تشك من الفراق الواقع بينه وبين من يرثيه، واظهار لضنه كان به، وتنافسه فيه. فيقول: كنت لاأصبر عنه، وأعد الأوقات التي لاأراه فيهاكثلمة في العيش، ونقيصة من زاكي الحظ، اذ كنت لاأرى طيب العيش الا معه، ولا أعرف طعم الحياة الا في صحبته فلما افترقنا وتقادم العهد بيننا سلوت عنه، حتى كأنني لم يجمعني واياه حال. وهذا الكلام منه استقصار لجزعه، واعتراف بأنه لم يفعل كنه الواجب عليه عند الرزيئة. وقوله: " ولخير حظك " يريد: خير انصبائك فيما تصاب به وتعنوله، أن يتلقاك الصبر عند الصدمة الأولى لتصون به دينك ونفسك وعقلك؛ لأن المرجع اليه، فألايتسلى الانسان تسلي البهائم أحسن وفي هذه الطريقة قول الخريمي:

واني وان أظهرت صبراً وحسبةً ... وصانعت أعدائي عليك لموجع

ولو وشيت أن أبكي دماً لبكيته ... عليك ولكن ساحة الصبر أوسع

[وقالت ابنة ضرار الضبية]

ترثي أخاها قبيصة بن ضرار:

لا تبعدن وكل شيء ذاهب ... زين المجالس والندى قبيصا

(لا تبعدن) لفظة قد مر القول فيها فيما تقدم. وقوله (وكل شيء ذاهب) تسل. كأنها قالت متوجعة: لا تبعد، ثم عقبته بالتسلى فقالت: وكل حي منا ميت، وكل أمر فينا متغير يا زين المجالس والندى يا قبيصة. وقولها (وكل شيء ذاهب) اعتراض

<<  <   >  >>