لأن في قوله ما اشتهى المعنى الذي عليه قوله تعلم نفسي أنه سوف يهجع. وقوله إن الحديث جانب من القرى، يقول: تأنيس الضيف بملح من الحديث من أسباب القرى وشرائطه، وخصاله التي تكمله وتفضله. وقوله ثم اللحاف بعد ذاك في الذرى، إشارة إلى إكرامه بما يفترش له ويمهد به موضعه. والذرى: الكنف.
[وقال الشماخ]
وأشعث قد قد السفار قميصه ... وجر شواء بالعصا غير منضج
دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلج
يصف مضيفاً. والأشعث: الذي يبتذل نفسه ولا يصونها عن التعمل، فيصير مقطوع القميص في السفر، لتحمله عن أصحابه أثقال المهن، حتى يتشعث طواهره، ويغبر شعره، وترث ثيابه، ويختل أمره. وقوله: وجر شواء إشارة إلى توليه من خدمة الرفقاء والأصحاب مالا يكون من عمله. وجعل الشواء غير مدرك لتعجله وحرصه على تقديم أمرهم والتسرع في إطعامهم. ويجوز أن ينتصب غير على أن يكون حالاً للنكرة - وهو أجود الروايتين - حتى لا يكون قد فصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي منهما، وهو قوله بالعصا، لأن التعلق بينهما يقارب التعلق بين الصلة والموصول.
وقوله: دعوت إلى ما نابني، أي استغثت به وطلبت منه الإغاثة على ما نابني من حدثان الدهر فأجابني منه كريم من الفتيان غير ضعيف الممة، ولا مؤخر عن الغاية البعيدة. وأصل التزليج من قولهم قدح زلوج، أي سريع في الإجابة. أي إذا وقف على حد مكرمة وأشرف على الفوز بمنقبة لم يزلج عنه ولم يدفع منه، لأن الزلج السرعة في المشي وغيره. وكل زالج سريع، ومنه مزلاج الباب للخشبة التي يغلق بها.
فتى يملأ الشيزى ويروى سنانه ... ويضرب في رأس الكمي المدجج
فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة ... ولا في بيوت الحي بالمتولج