وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفا والعمد
ويقال في الشتم: خيس أنفه فيما يكره، كما يقال أرغم أنفه.
ولو أني لبثت لهم قليلاً ... لجروني إلى شيخٍ بطين
شديد مجامع الكتفين باقٍ ... على الحدثان مختلف الشئون
قوله قليلاً يجوز أن يكون ظرفاً، يريد زماناً قليلاً، ويجوز أن يكون صفة لمصدرٍ محذوفٍ، يريد لبثاً قليلاً. فيقول: لم أتمكث للطالبين لما عرفت الحال، ولم أتمكث للطالبن لما عرفت الحال، ولم أتباطأ معرجاً على إعداد شيء، ولو ظفروا بي لجروني إلى حضرة رجلٍ عظيم البطن شيخٍ، وذلك صفة أمير المؤمنين عليه السلام. ولقد روى عن النبي صلوات الله عليه في عظم بطنه أنه قال:" هو لكثرة علمه ". وقوله " شديد مجامع الكتفين " من صفته إلى آخر البيت. يريد أنه شديد الزهر، قوي المتن، مجتمع الخلق، وذلك خلقة الأسد. وقوله باقٍ على الحدثان يعني صبره في حوادث الدهر، وانتصابه في وجوه بغاة الجور، لا يأخذه في طلب الحق وإمضائه لومة لائم، واعتراض ممانعٍ، ولا يلفته عن هديه وسننه كراهة كارهٍ، وقعدة خاذلٍ. وقوله مختلف الشئون يعني طرائقه في زهده وعلمه وورعه، وبأسه وإقدامه في ذات الله، وجبنه عن محارم الله، وتعففه عن احتجاز المطامع، وابتناء المصانع، مع قلة الاحتفال باكتساب رضا خلقه، إذا أداه إلى سخط ربه، إلى ما لا يكاد يجتمع إلا في مثله، ويطول الكلام بعده وضبطه. وفي هذه الطريقة وإن اختلف الوصفان والموصوفان قول الآخر:
قليل التشكي للمهم يصيبه ... كثير الهوى شتى النوى والمسالك
وقال حريث بن عنابٍ
لما رأيت العبد نبهان تاركي ... بلماعةٍ فيها الحوادث تخطر
نصرت بمنصورٍ وبابنى معرضٍ ... وسعدٍ وجبارٍ بل الله ينصر