ولله أعطاني المودة منهم ... وثبت ساقي بعد ما كدت أعثر
لما علمٌ للظرف، وهو لوقوع الشيء لوقوع غيره، وجوابه نصرت. وأراد بني نبهان فذكر الجد والمراد القوم، وسمى نبهان العبد تهجيناً له، ورمياً إياه باللؤم. واللماعة: المفازة يلمع فيها السراب. وجعلها مخوفةً لا تؤمن فيها نوائب الدهر، وحوادث الموت. ومعنى تخطر تحدث وتعترض. ويقال رمحٌ خطارٌ، أي شديد الاهتزاز، ومنه خطران الفحل بذنبه عند الصيال. فيقول: لما وجدتهم متخلفين عني وتاركين لي بمفازةٍ هذه صفتها، استنصرت غيرهم فنصرني الله بالأقوام الذين ذكرتهم. ولا يمتنع أن يكون اللماعة كنايةً عن الأمر الشديد والداهية المنكرة. ويكون قوله تاركي بلماعةٍ كما يقال تركته بحالة سوءٍ، وبآخر رمقٍ، وما يجري مجراه. وقوله فيها الحوادث تخطر جعله مثلاً لما لم يكن يأمنه من فنون الحوادث، وصروف المتالف. ثم أخذ يشكر الله على ما عطف عليه من ميل الأقوام الذين أغاثوه، وثنى إليه من نصرهم، وعلى تثبيت قدمه بعد ما كادت تزل به، وتلافيه بحسن الاستمساك، عند ما ظن من إشراف الهلاك.
إذا ركب الناس الطريق رأيتهم ... لهم قائدٌ أعمى آخر مبصر
الضمير من قوله لهم قائد يجوز أن يكون لناصريه، وهم الذين سماهم، ويكون الكلام مدحاً وما بعد هذا البيت يتلوه في ذلك ويتبع. ويجوز أن يكون لخاذليه بني نبهان، ويكون الكلام ذماً، وما بعده يطرد معه ويذهب. ووجه المدح أن يكون المراد بقوله إذا ركب الناس الطريق إذا انتوى الناس نياتهم، فسلكوا في مناجعهم ومزالفهم، ومتصرفاتهم ومناقلهم، وطرائقهم الآمنة، رأيت هؤلاء القوم لعزهم ومنيعتهم يسيرهم الليل والنهار، ويقودهم الظلم والأنوار، لا يحذرون منيعاً، ولا يخافون مغيراً، ولا ينأى عنهم استباحة حمىً، ولا يعرض لهم حيثما توجهوا أذىً. فالقائد الأعمى هو الليل، والآخر المبصر هو النهار. ووجه الذم أنهم لجهلهم وسوء تأتيهم، إذا أبصر الناس مراشدهم واستبصروا فيما يقدمون عليه أو يحجمون عنه وحدت هؤلاء القوم يستضيئون برأي كل أحدٍ، ويستشيرون كل ذي نحلةٍ ومذهب، فيرشدهم جماعة ويغويهم آخرون، على حسب اختلاف الآراء والمقاصد، لا بصيرة تمسكهم، ولاعزيمة تغلبهم وتجذبهم، فهم تبعٌ لكل ناعقٍ، وجوابٌ لكل نادبٍ.