للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي]

إبى لأرباب القبور لغابطٌ ... لسكني سعيدٍ بين أهل المقابر

وإني لمفجوعٌ به إذ تكاثرت ... عداتي ولم أهتف سواه بناصر

قوله سكني أن تسكن إنساناً منزلاً بلا كراء، والمنزل سكنٌ ومسكن؛ وهو مصدر كعذرى وبشرى. ومعنى البيت: إني أغبط الموتى لحصول سعيدٍ فيما بينهم، فإن الجمال الذي كان للأحياء بمقامه فيهم كأنه انتقل إلى الأموات عنهم؛ وإنى لمتبينٌ تأثير الفجع به، وشدة فاقتي إليه، إذا تزاحم الأعداءٌ وتبالغوا في قصدي، ولا يكون لي من أستنصره عليهم غيره. وقوله سواه في موضع النصب على أنه استثناء مقدمٌ. ويقال هتف هتفاُ وهتافاً. والهتف: الصوت الشديد، وقوسٌ هتفي، والحمام تهتف. وهتف به وصاح به، إذا دعاه.

فكنت كمغلوبٍ على نصل سيفه ... وقد حز فيه نصل حران ثائر

النصل: اسم حديدة السيف، لذلك صلح إضافته إلى سيفه وإن كان قد يستعمل استعمال السيف. ألا ترى أنه قال: وقد حز فيه نصل حران. يقول: كان عدنى على الدهر وسلاحي على أعدائي، فلما فقدته والأعداء بالمرصاد لي، صرت كان غلب على سيفه وسيف عدوه قد خرج عليه كطالب ثأرٍ وكبده حرى، لشدة عداوته واستحكام غيظه يعمل فيه، وينفذ في الضريبة منه، والمراد: كنت كمن غلب على عدته أشد ما كان حاجةً إليها، وحين تمكن العدو وهو تام الآلة، مكين القوى في المنازلة.

أتيناه زواراً فأمجدنا قرى ... من البث والداء الدخيل المخامر

وأبنا بزرعٍ قد نما في صدورنا ... من الوجد يسقى بالدموع البوادر

يقول: جئناه زائرين فوسع قراناً من الحزن والداء المتمكن من القلب، المخامر له. والمخامر مأخوذ من الخمر، وهو ما واراك من الشجر وغيره. وإذا كان كذلك فهو أبلغ من قوله الدخيل، لأنه يفيد في الموصوف فائدةً أكثر من الدخول، إذ كان

<<  <   >  >>