للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل كريم يتقي الذم بالقرى ... وللحق بين الصالحين طريق

يقول: اتركيني واختياري، فإني قدمت مساعي تقتضيني مراعاتها، وأسست مباني تدعو إلى استكمالها وتبعث على الزيادة فيها، وعودت الناس مني عادات توجب على الصبر لها وعليها، وتغشاني نوائب تنوبني، وحقوق يلزمني الخروج منها. ثم إن الكرام يتقون ببذل القرى وإقامته على أشرف وجوهه ذم النزال، وشكو الطراق. ولقضاء واجبات الحقوق في الكرم والمروءة طريقة مسلوكة معروفة، متى أخل بها ولم تعمر باستطراقها والنظر في مصالحها والإنفاق في استبقائها، درست وخفيت. ويروى: وللحمد بين الصالحين طريق، والمعنى ولكسب الحمد. ومعنى يغشى رزؤها أي يغشاني رزؤها، فحذف المفعول، أي إصابة الناس وانتفاعهم بي. ويقال منه: هو مرزأ، إذا كان سخياً ينال الناس إفضاله.

[وقال عروة بن الورد]

إني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافى إنائك واحد

أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بوجهي شحوب الحق والحق جاهد

أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد

قوله عافي إنائي شركة أي يأكل معي عدة يشاركونني فيما في الإناء، وأنت رجل تأكل وحدك فعافى إنائك واحد. وأصل العافى من عفاه واعتفاه، إذا طلب معروفه، فأعفاه أي أعطاه، كما يقال: طلب منه فأطلبه، ومنه عافية الطير والسباع. وأنشد بعضهم فيه:

لعز علينا ونعم الفتى ... مصيرك يا عمرو للعافية

أي السباع والطيور، وقيل: بل أراد العواد. ومثله قول حاتم:

يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا

لأن قوله سبيل المال واحدة يريد إنفاقه على نفسه دون غيره.

<<  <   >  >>