للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان في الكفء ما ليس في الإصغاء، فاعلمه.

[وقال بعض بني جهينة]

ألا هل أتى الأنصار أن ابن بحدلٍ ... حميداً شفى كلباً فقرت عيونها

هذا الاستفهام طريقه طريق التمني وإظهار الميل إلى أن يكون الأنصار شركوه في العلم بالحالة التي يقتصها. ويجوز أن يكون أخرج الكلام على هذا ليبلغوا. فيقول: هل تأدى خبر حميد بن بحدلٍ فيما كان من نصره كلباً على قيسٍ، وإقراره عيونهم منهم، وشفائه قلوبهم مما كان تداخلها من عداوتهم، واهتاج فيها من نار حقودهم.

وأنزل قيساً بالهوان ولم تكن ... لتقلع إلا عند أمرٍ يهينها

يقول: وأحل حميدٌ قبيلة قيسٍ بمحل الذل والامتهان، والهضم والهوان، حتى كفوا عن مجاذبة كلبٍ والتعرض لهم بالسوء. ثم قال: ولم تكن قيسٌ تنزجر وترتدع إلا عندما يسقطها، وينزلها بدار الرغم ويسخطها، لفرط لجاجها، وتأبيها وجماحها. واللام من " لتقلع " لام الجحود.

فقد تركت قتلى حميد بن بحدلٍ ... كثيراً ضواحيها قليلاً دفينها

هذا بيانٌ لما حل بقيسٍ. يقول: تركت القتلى الذين أبادهم حميد ابن بحدل بالعراء، فقد كثر بوارزهم للشمس، وقل دفائنهم في الأرض. وإنما يفظع بما يصف ما دفع إليه قيسٌ وابتلي به. والضواحي: جمع ضاحيةٍ، وهي الظواهر، والفعل منه ضحي يضحى عند الكوفيين، ولغةٌ أخرى ضحى يضحى، وهذا أفصح. وفي القرآن: " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ". وأضاف قتلى إلى حميد لأنه الموقع بهم، القاتل لهم.

فإنا وكلباً كاليدين متى تقع ... شمالك في الهيجا تعنك يمينها

هذا الكلام تحمد وتنبيه على أن ما يجمعهم وكلباً في نهاية القوة والاستحكام، فلا يعرض فيه فتورٌ، ولا يتسلط عليه كلةٌ ولا قصورٌ، فهم كاليدين إذا دفعت إحداهما إلى شدة أعانتها الأخرى. وجعل الفضلى من اليدين - وهي اليمين - مثلاً لأنفسهم.

<<  <   >  >>