وقوله فبتنا بخير من كرامة ضيفنا، يريد: احتفلنا لضيفنا فشركناه في الخير المعد له، وبقينا ليلتنا نهدي إلى الجيران من فواضل الطعام والزاد عنا وعن ضيفنا، وذلك غير ميسر، أي لم يكن مما ضرب عليه بالقداح وتياسرناه أي اقتسمناه، بل كان مما نجشم للضيف لا يشركنا أحد فيه.
[وقال عروة بن الورد]
أرى أم حسان الغداة تلومني ... تخوفني الأعداء والنفس أخوف
لعل الذي خوفتنا من أمامنا ... يصادفه في أهله المتخلف
يقول: لما هممت بالسفر وجعلته مني ببال اعترضت هذه المرأة علي وأقبلت تلومني وتحذرني الأعداء في الوجه الذي أردت تيميمه، ونفسي أشد أشد خوفاً لأنها حساسة حذرة، لكني تجلدت لها وأجبتها بأن الذي أنذلاتناه من قدامنا، والسمت الذي هو نيتنا وطيتنا، لعله يلقاه المتخلف عن السعي في طلب الرزق المقيم في أهله راضياً بأدون العيش؛ لأن الحذر لا يغني عن القدر، وقد يؤتى الإنسان من ناحية أمنه، ويصادف فيه ما لا يصادفه الخائف من ناحية خوفه. وقوله خوفتنا حذف الضمير العائد إلى الذي منه، استطالة للاسم بصلته. وقوله من أمامنا، يريد من حيث نأتمه، والوجه الذي نتوجه إليه، وذلك قدامه لا شك. وموضع يصادفه رفع على أن يكون خبر لعل، وفي أهله تعلق الجار منه بفعل مضمر وموضعه نصب على الحال، أي يصادفه المتخلف مقيماً في أهله ومستقراً.
إذا قلت قد جاء الغنى حال دونه ... أبو صبية يشكو المفاقر أعجف
له خلة لا يدخل الحق دونها ... كريم أصابته حوادث تجرف
يقول: إذا اتفق لي في مقصد من مقاصدي ما أقدر فيه حصول الغنى وجواز الاعتماد عليه في مباغي الدنيا، ووعدت نفسي له ومن أجله بالاكتفاء عند الفكر في مؤن العيال، حال بيني وبينه اجتداء صاحب عيلة، ووالد صبية، ظاهر الفقر، سيء الحال، يشكو زمانه وتأثير الضر فيه، وعليه مما يتألم منه شواهد تمنع دخول حق دون خلته، وتأبى أن يقال في شيء من المفاقر هو أولى منه. فكأنه يعني بالحق نسيباً