ألا أيها الباغي البراز تقربن ... أساقك بالموت الذعاف المقشبا
يخاطب من طلب مبارزته. ومعنى تقربن أقبل وهلم. وقوله أساقك بالموت الذعاف يجوز أن يكون معناه أساقك بسبب الموت، ويجوز أن يكون على القلب أراد أساقك الموت بالذعاف، والمعنى بأن أفعل بك ما يقوم مقام سقي الذعاف. ويدل على هذا الوجه قوله فيما بعد: فما في تساقي الموت في الحرب سبةٌ. والذعاف: سم ساعةٍ، ويقال طعامٌ مذعوفٌ. وموتٌ ذعافٌ أي وحيٌ. والمقشب: الذي قد خلط به أدويةٌ تقويه وتهيجه. وأصل القشب: الخلط، حتى قيل رجلٌ مقشبٌ، أي مخلوط الحسب باللؤم.
فما في تساقي الموت في الحرب سبةٌ ... على شاربيه فاسقني منه واشربا
التساقي: أن يسقى بعضهم بعضاً، ولا يصح الأمر منه لواحدٍ، ولا يعتدي إليه. ومن هذا الوجه خالف تفاعل، وإن لم يكن فعلهما إلا من اثنين فصاعداً. ألا ترى أنك تقول يا زيد ضارب عمراً، ولا تقول تضاربه. والمراد بالكلام إظهار طيب النفس بالموت، والتسلي عن الحياة، وأنه لا يدخل العار على من شرب كأس الردى، ولا منقصة على متنازعيها، فهاتها وخذها.
وقال دراجٌ حين طعن
شدي على العصب أم كهمس
ولا تهلك أذرعٌ وأرؤس
مقطعاتٌ ورقابٌ خنس
فإنما نحن غداة الأنحس
هيمٌ بهيمٍ طليت تمرس
يقوى قلبها على أسو جراحه، وإحكام شد عصائبه، ويقول: لا يهولنك ما ترين من أذرعٍ مفصلةٍ، وأرؤسٍ مقطعةٍ، ورقابٍ مقصرةٍ، فإن الموت يأتي لحينه وأوانه، وقدره وميقاته، ولا يقربه شدة الجلاد، ولا فظاعة الجراح، واعلمي أن الذي أدانا إلى ما تشاهدينه تناهى العداوات والضغائن، وانطواء الصدور على الحزازات والسخائم، وأن كلامنا كان يكظم غيظه، ويكتم حقده، انتظاراً لعقب الأيام، وفرص الإمهال،