غيره، فأعينهم كانت ممتدةً إليه، وآمالهم كانت معلقةً به، وإذ قد مضى لسبيله، وانتقل إلى جوار من هو أحق به، فقد استبدلوا بالطمع خيبةً، ومن التعزز ذلة، وبقوا في ملكة محنهم لا انفكاك لهم منها، ولا ارتياش من سقطاتها.
وقال أشجع بن عمرٍو السلمي
أنعى فتى الجود إلى الجود ... ما مثل من أنعى بموجود
أنعى فتىً مص الثرى بعده ... بقية الماء من العود
قوله أنعى فتى الجود إنما أضافه إلى الجود أيذاناً بأن الجود كان يمتلكه فهو فتاه. أو يريد أن الجود كان يتبجح بكون هذا الرجل من أسرته وأصحابه، لأنه كان يتفتى في الجود؛ وهذا كما يقال: فلانٌ فتى الحرب، وكما قيل: لا فتىً إلى عليٌ في الوغى. فيقول: إنه الآن وقد مضى لسبيله فإني أنعاه إليه، لنتشارك في فقده والجزع عليه. ثم قال: ما مثل من أنعى بموجود، وهذا يشبه الالتفات، كأنه أقبل على إنسانٍ فقال: أذكر موت من كان معدوم النظير، قيل الشبيه، فلا الجود يجد من يخلفه ويعلى ذكره، ويقوم بأوده فيقيمه فيقال هو فتى الجود، ولا نحن نعتاض منه من يجمع شملنا، ويجبر كسرنا، ويسد مفاقرنا إذا أضر الزمان بنا.
وقوله أنعى فتىً مص الثرى بعده، يريد: تغيرت الأرض عما كانت عليه، فيبست أشجارها واغبرت ساحاتها بموت هذا المرثي، فالدنيا مدبرة، والأقطار مقشعرة، والبؤس للبئيس معانق، والخير بتوابعه من الندى والتطول والخصب والترطب مفارقة.
[وقال عبد الله بن الزبير الأسدي]
رماى الحدثان نسوة آل حربٍ ... بمقدارٍ سمدن له سمودا