وقوله أصون عرضي بمالي، يريد أني أجعل المال واقية لحسبي ونسبي، فأصونه ولا أدنسه بتثميره وتوفيره، وإن تقلدت العار له واكتسبت الإثم الفاحش في، فلا بارك الله في المال بعد النفس، لأن المال يحتاج إليه لتنتفع به النفس، ولتتنزه عن المعايب والمقاذر بإنفاقه. فأما قوله بارك فأصله من اللزوم، ومنه برك البعير، إذا لزم مكانه. فمعنى بارك الله فيه: بقاه الله. وعلى ذلك قول المسلمين: تبارك الله: أي بقي ودام، فهو تفاعل في معنى فعل لا تكلف فيه، تعالى الله عن ذلك. وقوله أحتال للمال إن أودي فأجمعه، يريد أن المال إذا استهلكه منفقه أمكن الاعتياض منه، ونفذ الاحتيال في جمعه وتثميره، وإذا هلك العرض فلا طريق إلى رده إلى ما كان عليه، ولا استطاعة في تنقيته من درن العار وقد جعل وقاية للمال.
[وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي]
دعوت إليها فتية بأكفهم ... من الجزر في برد الشتاء كلوم
إذا ما اشتهوا منها شواء سعى لهم ... به هذريان للكرام خدوم
فإلا أكن عين الجواد فإنني ... على الزاد في الظلماء غير شتيم
وإلا أكن عين الشجاع فإنني أرد سنان الرمح غير سليم
إليها، يعني إلى راحلته. وجعل الفتية مكلومي الأكف عندما يتولونه من قسمة الجزور وتفصيل أوصالها، لأنهم لا يهتدون إلى المفاصل، ولم يزاولوا نحر الإبل وجزرها قبل ذلك. فيقول: جمعت على قسمة ناقتي فتياناً قد تكلفوا ما دعوتهم إليه تكرماً، وإن لم يكن ذلك من شأنهم، ولا صار منهم ببال، لكن شدة الزمان، وتناهي الضر في الجيران وطوائف الناس فرض على أمثالهم تجشم فعله لهم، وحسن توليه فيهم.