للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتذاذاً بخوض عيون الناس في محاسنها، قلت للمثنى عليهن: إن ثناءك يضرنا، لتنبيهك على كثير مما لعله يخفي عليهن من دقائق الجمال، ولطائف الكمال. إذ كان ذلك يزيد في الإعجاب بأنفسهن، ويكسب الكبر في أخلاقهن، فهل تقدر بدل ذلك على ما ينفعنا معهن. وجواب لما إن شئت جعلته (فقلت) على أن يكون الفاء زائدة، وإن شئت جعلته محذوفاً، كأنه قال: لما فعلنا ذلك كله توانسنا، أو ما يجري مجراه. وقد تقدم القول في أن لو ولما وحتى يحذف أجوبتها، ويكون لإبهامها لحذقها أبلغ في المعنى. ويقال: أطرى فلان فلاناً إذا مدحه بأحسن ما قدر عليه. وقوله (تسطيع) منقوص عن تستطيع. وويح، قال الأصمعي: هو ترحم، فإذا أضيف بغير اللام بنصب، ويكون العامل فيه فعلاً مضمراً، كأنه قال: ألزمه الله ويحاً، وانتصب فتنفعا بأن مضمرة، وهو جواب الاستفهام. ومعنى (زهاها الحسن) استخفها ويقال: زهت الأمواج السفينة والرياح النبات. وقوله (أن تتقنعا) أراد من أن تتقدما، وهم يحذفون الجار مع أن كثيراً.

[وقال أبو الربيس التغلبي]

هل تبلغي أم حرب وتقذفن ... على طرب بيوت هم أقاتله

مبينة عنق حسن خد ومرفقاً ... به جنف أن يعرك الدف شاغله

قوله (على طرب) يجوز أن يتعلق بتبغلني، ويجوز أن يتعلق بوتقذفن، والفعلان جمعا على قوله (مبينة عنق) وهي ناقة. والاختيار عند أصحابنا البصريين أن يرتفع بالأقرب، وهو تقذفن، ويجوز أن يرتفع بتبلغني، وعلى هذا: جاءني وأكرمني زيد. والطرب: خفة تلحق لنشاط وجذل، واهتمام وجزع. وبيوت هم، فعول من قولك: باب يبيت. كأنه هم جاءه ليلاً فلازمه. وعلى هذا قيل في الصقيع: البيوت. وانتصب (حسن خد) على التمييز. والجنف: الميل. ورجل أجنف: في خلقه ميل، وقيل: هو الطويل المنحني. والعرك: الدلك والغمز. وقوله (به جنف) في موضع النصب، لأنه صفة لمرفق. و (شاغله) صفة لجنف. وإضافته على طريق التخفيف، فهو نكرة والتنوين منوى، كأنه شاغل له. ويريد بقوله (به جنف) أن المرفق متباعد عن الزور، لأن الناقة فتلاء؛ ولولا بعده عنه لكان يكون ناكتاً أو حازاً

<<  <   >  >>