إذا شئت يوماً أن تسود عشيره ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم
وللحلم خير فاعلمن مغبة ... من الجهل إلا أن تشمس من ظلم
جواب وقوله (إذا شئت) قوله فبا لحلم، والمعنى أن السيادة لها آلات، وإليها مراق ودرجات، فمن أتاها من وجهها ومأتاها تمت له؛ وذاك أن منها استعمال الحلم، وترك التعجل، وكظم الغيظ، وتسهيل الجانب، والاحتمال في النفس والمال والجاه، إلى غير ذلك مما يطول ذكره. فمن صبر في طلب الرياسة وحصول سيادة العشيرة، على هذه الخصال، فهو حقيق بإدراكها، فإن أخذ يخشن جانبه ويقطب وجهه، ويغلظ كلامه، ويوسع غيظه ويفظظ قلبه، ويعجل الطاعة له، نفرت العشيرة منه، وبانوا عنه. لذلك قال من قال:
فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل
وقوله (وللحلم خير فاعلمن مغبة) انتصب على التمييز. قوله (فاعلمن) حشو. فإن قيل: كيف اختير هذا البيت بهذا الحشو، والمتكلم إذا استعمل في كلامه مع المخاطب أعلم وأسمع وما يجري مجراهما، عد ذلك منه عيا؟ قلت: إن هذه اللفظة في هذا المكان محتاج إليها في عمدة المعنى المقصود، وإن ما أشرت إليه إنما يكون زوائد وفضولاً لا يحتاج إليه، فإذا وصل المتكلم بها كلامه مستعيناً بها عد منه خطلاً وعيا، وهو في هذا الكان وصاه بالفكر فيما أورده والتبين له، وبمعرفة الحلم ووقته حتى يدري كيف يأخذ به. فقوله: فاعلمن، فاعرفن، ومفعوله محذوف، والمراد فاعلمن الحلم ومغبته، فأطلق. رجع فيما أشار به مطلقاً، واستثنى في كلامه فقال: إلا أن تنفر من ظلم يركبك، وهضيمة تنالك؛ فإن الجهل في ذلك الوقت أرجح في الاختيار من الحلم، إذ كان صدم الشر بالشر أقرب، ودفع الجهل بالجهل أحلم. ويقال: غبت الأمور، إذا صارت إلى أواخرها. وإن لهذا الأمر لمغبة محمودة، أي عاقبة. وقوله (تشمس) ، يقال إنه لذو شماس شديد، إذا كان عسراً. وشمس لي فلان إذا تنكر وهم بالشر.