للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبسم كرهاً واستنبت الذي به ... من الحزن البادي ومن شدة الوجد

إذا المرء أعراه الصديق بدا له ... بأرض الأعادي بعض ألوانها الربد

انتصب كرها على أنه مصدر في موضع الحال. يقول: بسم لي كارهاً فتبينت الذي به من حزن ظهر عليه، ومن وجد استكن في قلبه. ويقال استنبت وتبينت بمعنى واحد. وبسم وابتسم بمعنى واحد، إلا أن في تبسم زيادة معنى التكلف، كأنه تكلف منه ما تكلف على كراهية. وقوله (إذا المرء أعراه الصديق) يريد به: إذا الرجل خذله صديقه وقعد عن نصرته، وتركه بالعراء، في أرض الأعداء، بدا له من ألوان الأرض يكون إذا اسودت بعضها. وهذا التفصيل والتبعيض دل على أن اسوداد الأرض يكون من وجوه عدة، وللحالة التي أشار إليها ما يختص بها، ويجب أن يكون شدها. وهذا لأن ما يرد على النفس من المكاره مراتب، فاسوداد الأرض عليه لها حسب مقاديرها في أنفسها.

[وقال سالم بن وابصة]

أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا

سليم دواعي الصدر لا باسط أذى ... ولا مانع خيراً ولا قائل هجرا

يقول: أحب من أخلاق الفتى أن يكون متكرماً إذا طرق أذنه ذكر الفواحش، فلا بعيها ولا يجعلها من نفسه ببال، حتى كأن به صمماً عن أنواع الفواحش كلها.

وقوله (سليم دواعي الصدر) ، ارتفع سليم لأنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هو سليم، ويكون ما بعده صفات له. ويريد بالدواعي ما يتعلق بالأغيار منه لاما يخصه في نفسه. ألا ترى أنه فسره بقوله (لا باسط أذى ولا مانع خيرأ ولا قائل هجراً) وكل ذلك للغير لا للنفس. ويكشف هذا أنه إذا بسط أسباب الأذى عاد الضرر منها لا عليه. وإذا منع خيره كذلك عاد الضرر على المنتفع به وعلى هذا إذا قال هجراً. والهجر: الفحش. ويقال: أهجر الرجل، إذا أنى به. وقد

<<  <   >  >>