تزال حبال مبرمات أعدها ... لها ما مشي يوماً على خفه جمل
فأعط ولا تبخل إذا جاء سائل ... فعندي لها عقل وقد زاحت العلل
يقول: أقسمت يميناً بالله الذي تضمن الأرزاق لمرتزقها، وفطر الخلق الذي اخترعهم في سهل الأرض وحزنها، لا تزال من جهتي حبال مستحصدة معدة لإبلك التي صرفتها في مصارف بذلك مدة الدهر، اقتداء بك، ودخولاً تحت طاعتك. فالمتكفل بالأرزاق هو الله تعالى في أقطار الأرض، وقد وثقنا بتفضله والتعيش من فضله. وقولها تزال حذفت حرف النفي منه لأمنها من الالتباس، وقد مر القول فيه في غير موضع.
وقولها فأعط ترغيب منها وتحضيض، أي توسع في البذل منها، ودع البخل بها، فلا اعتراض عليك، ولا مرادة معك، والعقل من جهتي معدة، والعلل معي مرتفعة. ويقال: أزحت العلة في كذا فزاحت، أي أزلتها فزالت. وحكى الدريدي: زاح الشيء يزيح ويزوح زيحاً وزيحاناً، أي تحريك عن مكانه. وزحته فانزاح، وأزحته فزاح، وهو مزوح ومزاح. وقولها ما مشى يوماً في موضع الظرف، والعامل فيه لا تزال حبال.
[وقال الأقرع بن معاذ]
إن لنا صرمة تلفى محبسة ... فيها معاد وفي أربابها كرم
نسلف الجار شرباً وهي حائمة ... ولا تبيت على أعناقها قسم
ولا تسفه عند الحوض عطشتها ... أحلامنا وشريب السوء يحتدم
الصرمة: القليل من المال، ويريد بالمحبسة أنها مناخة بالفناء لا تسام في المراعي. وقوله فيها معاد أي أنها تحتمل ما تحمل من مؤن العفاة عوداً على بدء. وقوله في أربابها كرم أي في ملاكها صدر وحسن صبر على ما يتعريهم من حقوق السؤال والمجتدين.