عليك. ويكون قوله " زلت بك القدمان " على ما فسرناه من قولهم قدحٌ زلول، إذا كان خفيفاً. فهذا وجهٌ. والثاني أن يترك الخطاب على ظاهره وحده، فيكون المعنى: سيمنع منك المتفق عليه من الخطر بسبق فرسك، فإن لم يثبت قدماك عند التقاضي به، وفي الدفاع عن نفسك فيما يراد من ظلمك ويرام من هضمك قتلت أيضاً. وهذا أقرب وأشبه بالقصة.
[وقال غلاق بن مروان]
هم قطعوا الأرحام بيني وبينهم ... وأجروا إليها واستحلوا المحارما
قطعوا بالتخفيف يصلح لقيل الفعل وكثيره، فإذا ثقلت لم يكن إلا للتكثير أو التكرير. والشاعر يصف ما أجرى إليه القوم في سبقٍ داحسٍ من قطيعة الرحم، وانتهاك المحرم، واستحلال المحظور المحرم؛ ويقتص ما تنقلوا فيه وتدرجوا إليه حالاً بعد حالٍ، وشيئاً بعد شيءٍ. وقوله " أجروا إليها " الإجراء يستعمل في المنكر المذموم، ومفعوله محذوف، كأنه أجروا فعلهم إليها، والضمير في " إليها " للقطيعة، لأن الفعل يدل على مصدره. وهذا كما يقال: من كذب كان شراً له، أي كان الكذب شراً له.
فيا ليتهم كانوا لأخرى مكانها ... ولم تلدي شيئاً من القوم فاطما
البيت على كلامين: صدره إخبارٌ، وعجزه خطابٌ لفاطمة، وهي أختٌ لهم. ومثله في أنه كلامين قوله تعالى:" يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ". والشاعر قصده إلى إظهار التوجع من الحال، فيقول متمنياً: بودي إن يكونوا لو صلةٍ وقرابةٍ غير وصلتهم وقرابتهم، حتى لا يبلغ الجفاء من جهتهم مبالغة في نفوسنا، لأن ظلم ذوي القربى أشد تأثيراً. والشر إذا ورد على الإنسان من مظنة الخير كان أنفذ تحزيزاً. فقوله " كانوا لأخرى مكانها " أي لقرابةٍ أخرى مكان هذه القرابة؛ أو لأرحامٍ أخرى مكان هذه الأرحام. وقوله " لم تلدي شيئاً " تمنى ارتفاع الوصلة كما تمنى في الأول انقطاع القرابة؛ كأنه ود بعد استبدالهم بالتناصر تدابراً، وبالتواصل تقاطعاً، أنهم كانوا منهم غرباء. وقوله " فيا ليتهم " المنادى محذوف، أراد يا قوم ليتهم.