للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستحسن لبشار في هذه الطريقة قوله، بل قد صار مثلاً:

خليلي إن العسر سوف يفيق ... وإن يساراً في غدٍ لحقيق

وما أنا إلا كالزمان، إذا صحا ... صحوت، وإن ماق الزمان أموق

يقول: يعلم أن أسباب الدنيا وتصاريفها مبنيةٌ على التغير والتبدل، فالعسر واليسر يتعاقبان ولا يلزمان، فمتى استغنى كرم ولم يبطر، علماً بأنه يفنى فلا يبقى، وإذا افتقر عف ولم ييأس، ثقةً بأنه يزول ولا يدوم. وقوله " يرى " من البيت يجري مجراه من قوله تعالى: " إنهم يرونه بعيداً "، لأنه بمعنى يظنونه، وليس كذلك في قوله " ونراه قريباً " لأنه بمعنى نعلمه. وقد يستعمل العلم في موضع الظن أيضاً، لذلك قال:

وأعلم علماً ليس بالظن أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل

[وقال أوس بن حبناء]

إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هواناً وإن كانت قريباً أواصره

حقيقة أولاك كذا: جعله مما يليك، لكنه اشتهر في الإحسان، وقد يستعمل في الإساءة، كما فعله هذا الشاهر. ومثله بشرته في معنى تناوله الشر، وإن كان اشتهاره في الخير. ألا ترى قوله تعالى: " فبشرهم بعذابٍ أليمٍ ". يقول: قابل معاملك بمثل ما يرصده لك، فإن الأفعال بين الناس قروضٌ، وشرط القروض الوفاء بها، والحروج من ذممها، فمن أهانك فأهنه وإن قربت عواطف أرحامه، وشوابك أسبابه، ولا توجب له إلا مثل ما يوجبه لك. ويقال: بيني وبينه أصرةٌ، أي عاطفةٌ، والأصر: العطف. وقوله قريباً خبر كان، وقدمه على اسمه ولم يؤنثه لأنه أراد النسبة فلم يبنه على الفعل. ومثله قوله تعالى: " إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين ".

فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فذره إلى اليوم الذي أنت قادره

يقول: إن أعجزك مكافأته على إساءته إليك، وأعوزك إنالته مثل ما ينيلك في الحال، فأنظره إلى الوقت المساعد لك من مستقبل أيامك، وانتظر نوبتك من الدهر،

<<  <   >  >>