امرر على الجدث الذي حلت به ... أم العلاء فحيها لو تسمع
أنى حللت وكنت جد فروقةٍ ... بلداً يمر به الشجاع فيفزع
صلى عليك الله من مفقودةٍ ... إذ لا يلائمك المكان البلقع
يخاطب نفيسه ويبعثها على زيارة المفقودة والتسليم عليها، قضاءً لحقها، وتجديداً للعهد بها، فقال: أمرر على القبر الذي دفنت فيه، وسلم عليها إن كانت تسمع. وهذا توجع وتلهف. ويروى فحيها هل تسمع، والفرق بين لو هنا وبين هل، أن " لو " فائدته الشرط ها هنا، والكلام به كلام من غلب القنوط عليه من إدراكها تحية من زارها؛ و " هل " من حيث كان للاستفهام يصير الكلام به كأنه كلام راجٍ أو طامعٍ في سماعها. ويكون المعنى: حيها وانظر هل تسمع.
وقوله أنى حللت معنى أنى كيف ومن أين. وفروقٌ بناء المبالغة، وازداد تناهياً بدخول هاء المبالغة عليه. فيقول مخاطباً لها: كيف تأتى منك الاستيطان والنزول في قفرٍ إذا مر به الرجل القوي القلب تداخله رعبٌ، واستولى عليه قلقٌ وذعر، وعهدي بك وكنت أضعف الناس قلباً وأشدهم من ذكر المحاذر استيحاشاً. وقوله كنت جد فروقةٍ، كقولك كنت فروقةً جداً لا هزلاًً، وحقاً لا باطلاً. والبلد: القطعة من الأرض اختط أو لم يختط.
وقوله صلى عليك الله فالصلاة من الله تعالى الرحمة، كأنه يئس منها فأقبل يترحم عليها، فيقول: إنك في شبابك وقرب ميلادك، وكمالك في خصال أمثالك، لم يلق بك فقدان، ولا كان لوقت مجيء الموت بطلبك مني انتظار، ثم كنت من الترفة والنعمة، ومساعدة القدر لك، بحيث لا يوافقك الانتقال إلى القفر، والتوحش عن الأهل.
وهذه الأبيات غايةٌ فيما يحدث به المفجوع نفسه.
فلقد تركت صغيرة مرحومةً ... لم تدر ما جزعٌ عليك فتجزع
فقدت شمائل من لزامك حلوةً ... فتبيت تسهر أهلها وتفجع