وسمى القبيل الثاني مولى إشارةً إلى أبناء عمه الذين لا غناء عندهم، ولا انتفاع له بمكانهم.
وقال مطيع بن إياسٍ، في يحيى بن زياد
يا أهل بكوا لقلبي القرح ... وللدموع السواكب السفح
راحوا بيحيى ولو تطاوعني ال ... أقدار لم تبتكر ولم ترح
لم يرض بتجرده لتلقي الأمر الذي دهمه، وبتفرده في الجزع للخطب الملم به حتى طلب من ذويه وعشيرته إسعاده في البكاء لما نابه فأقرح قلبه، وأسال دمعه. وإنما فعل ذلك لأنه يعد التعاون فيه والتشارك، أدل على تجليل الفجيعة له؛ والائتساء والتساوي، أجلب للتخفيف مما يه. ألا ترى أن الله تعالى يقول في أصحاب النار:" ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون "، فأيأسهم من أن يكون اشتراكهم في العذاب يسليهم أو يرجع بضربٍ من النفع عليهم، على العادة في دار الدنيا. وقوله قلبي القرح يقال: أقرحه الهم فقرح وهو قرحٌ قريحٌ. وقيل في القرح هو البثر إذا ترامى إلى فساد. وقوله السواكب جمع ساكبة، ووصف الدموع به على معنى ذات سكوبٍ، كما قيل عيشٌ ناصبٌ، أي ذو نصبٍ على النسبة. والسفح: جمع سفوح، والسكب والسفح يراد بهما الصب إلا أن السفح أبلغ من السكب، لذلك ارتقى من السواكب إليه. وحكى الخليل أن أهل المدينة يقولون: اسكب على يدي. ويقال رجل سفاحٌ للدماء، ولم يقل سكبٌ، لأن السكب لا يبلغ حد السفح.
وقوله راحوا بيحيى ولو تطاوعني الأقدار، يقول منبهاً على مساس الفاقة إلى بقائه، وغلبة اليأس من الاعتياض منه: راحوا ولو أطاعني القدر ما فجعنا بفراقه، فكان لا يبتكر لا غادياً ولا رائحاً. ومن روى بالتاء لم تبتكر جعل الفعل منسوباً إلى الأقدار يريد: لم تبتكر الأقدار ولم ترح به وأنا راض. وإنما قال بكوا لأن فعل يفيد التكثير من الفاعلين. وتكرير الفعل من واحدٍ حالاً بعد حال.