بعده ما يدل على حسن الإنصاف من النفس، والاعتراف بالفضل للغير. ويجوز أن يروى " أنه " بفتح الهمزة، والمعنى لأنه عند الشدائد. وإذا روي بالكسر يكون على الاستئناف.
وذكرت أي فتى يسد مكانه ... بالرفد حين تقاصر الأرفاد
مصدر ذكرت في هذا الذكر بضم الذال، لأنه بالقلب. وقوله " بالرفد "، يريد ببذل الرفد، فحذف المضاف. يقول: أجلت في فكري، وقلت في حديث نفسي: لو خلى مكانه من كان يسد مسده، ومن يعطي عطاءه عند تقاصر العطايا وتراجع المعونات. وهذا إشارةٌ إلى زمان الجدب والقحط وقت تنافس الناس في المتملكات، والدفع عنها بإعداد العلات. والمعنى: إن مثله لا يوجد ولا يظفر به في مثل ذلك الوقت، فإذا كان كذلك فكيف يسمح المنصف به لدهره، أو كيف ينطوي الصدر على السلو عنه والخلو منه، مع شدة الحاجة إليه. ويقال: رفدت الرجل رفداً إذا أعطيته، ثم سمي العطية رفداً بكسر الراء، وجمعه الأرفاد. وأرفدته محكيٌ لكنه ليس بالمتخير. وتقاصر، أصله تتقاصر فحذف إحدى التاءين تخفيفاً، وهو في موضع الجر بإضافة حين إليه.
أم من يهين لنا كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد
أم هذه هي المنقطعة، والاستفهام دخل في الكلام على طريق التوجع والتلهف لما جرى على عيينه المذكور. والمعنى: لو فقدناه من كان يبذل لنا عقائل أمواله، ومتى شئنا وجدنا عنده معاداً فلا يمل السؤال، ولا يغب النوال؛ وهذا الكلام تنبيهٌ على أنه كان يديم الإحسان، ولا يحول عطاء يومه دون عطاء غده. وقوله " كرائم ماله "، جمع كريمةٍ، وقد أجري مجرى الأسماء حتى جاء في الحديث:" إذا جاءكم كريمة قومٍ فأكرموه ".
[وقال بشر بن المغيرة]
جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازور جانبه