للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يثنى عليك لسان من لم توله ... خيراً لأنك بالثناء جدير

ردت صنائعه إليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور

يقول: عرف الناس على اختلافهم وتباين أوطانهم، فضلك وفواضلك، فاتفقت ألسنتهم في الثناء عليك والحمد لك، فمن لم تسد إليه خيراً منك، ولم تشركه في النعمة عندك، صار مقتدياً بغيره في إطائك ومدحك، وتقريظك وتزكيتك، لأنك عندهم كلهم جديرٌ بذلك، لا لمكافأةٍ على إحسانك، ولا لشكرٍ وجب عليهم في تحمل أفضالك.

وقوله ردت صنائعه إليه حياته، يقول: تذاكر الناس بعوارفك لديهم، ونشروا محامدك فيهم، فكأنك حيٌ لم يوارك قبر، ولم يفز بك موت. ويقال أنشر الله الموتى ونشرهم جميعاً. وأنشر أفصح. وقوله من نشرها أي من نشر الناس لها، فأضيف المصدر إلى المفعول.

فالناس مأتمهم عليه واحدٌ ... في كل دارٍ رنةٌ وزفير

عجباً لأربع أذرعٍ في خمسةٍ ... في جوفها جبل أشم كبير

أصله المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر، وجعله ها هنا المصيبة نفسها. والرنين: الصوت. والرنة الفعلة منه. وانتصب عجباً على المصدر، والعامل فيه فعلٌ مضمر، كأنه قال: عجبت عجباً. وإنما قال أربع أذرع، لأن الذراع مؤنثة، وفي خمسة لأنه أراد الأشبار. والشبر مذكر. ويشبه هذا قوله:

بلى قد وسعت الجود والجود ميتٌ ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا

والجبل الأشم: الطويل الرأس. ويقال عزٌ أشم، يراد به الارتفاع.

[وقال نهار بن توسعة يرثي أخاه]

عتبان قد كنت امرأً لي جانب ... حتى رزيتك والجدود تضعضع

قد كنت اشوس في المقامة سادراً ... فنظرت قصدي واستقام الأخدع

<<  <   >  >>