يخاطب نفسه مظهراً للتجلد، ومتبجحاً بأن الشدائد لا تنسيه الأحبة ولا تعتاقه عن التسليم عليها، والوقوف على منازلها ومساءلتها، وأنه متى مني بها أهمه أمرها أشد مما كان قبل، ولم يله عنها؛ فيقول: سلم على هذه المرأة وعلى ديارها، وعلى رمال ريا والجبال المحيطة بها، وإن طرفك من الحوادث ما يشغل عن مثله.
وأنعم بما أرسلت بالها ... ونال التحية من نالها
قوله بما أرسلت أي بدلاً مما أرسلت. وما مع الفعل من تقدير مصدر، يعني بإرسالها. وتقول العرب: هذا بذاك، أي عوضٌ منه، وهذا لك من ذاك في معناه. وعلى هذا قول الشاعر.
ليت لنا من ماء زمزم شربةً ... مبردةً باتت على الطهيان
أي عوضاً من ماء زمزم. والبال والخلد يستعملان على طريقة واحدة، يقولون: وقع في خلدي كذا، وسقط على بالي وخطر ببالي. والمعنى: قل أنعم الله بالها، جواباً لتحيتها، وجزاءً على مراسلتها. وقوله ونال التحية من نالها يحتمل وجهين. يجوز أن يكون المعنى: وأصاب الملك من أصاب هذه المرأة. وهذا الكلام تفخيمٌ لشأن المرأة وتعظيم لخطبها. ويقال نلت كذا أنال نيلاً. والتحية: الملك، ومنه التحيات لله. وقيل في قول الشاعر:
ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
إنه أراد به تحية الملك، وهو قولهم في مخاطبته: أبيت اللعن، والمعنى معنًى واحدٌ. ويجوز أن يكون نال بمعنى أنال. قال أبو زيد: يقال نلته أنوله نولاً ونوالاً، أي أعطيته. وعلى هذا يكون الكلام دعاءً. والمعنى: أنال الله التحية من أنال هذه