للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسر على ذلك أيضاً.

وقال البعيث بن حريثٍ

خيالٌ لأم السلسبيل ودونها ... مسيرة شهرٍ للبريد المذبذب

خير الابتداء محذوف، كأنه قال: خيالٌ لهذه المرأة أتاني أو زارني، وبيني وبينها مسيرة شهرٍ للبريد المسرع المتعجل. كأنه استطرف من الخيال ما كان يستطرقه من المرأة لو زارت. وقوله " البريد المذبذب " كما يقال للسائق الحاث طاردٌ. ألا ترى قوله يصف فرساً:

ويسبق مطروداً ويلحق طارداً

لأن المذبذب والمذبب الأصل فيهما واحدٌ، يرجع إلى الطرد والاستعجال. والمسرع المستعجل يتذبذب، أي يضطرب. فأما قوله تعالى: " مذبذبين بين ذلك " فهو من صفة المنافقين، ومعناه مطرودين بين المؤمنين والكافرين، فليسوا بمقبولين عند واحدة من الفرقتين. ومثل ذب وذبذب، كب وكبكب. فإن قيل: لم نكر فقال خيالٌ لأم السلسبيل؟ قلت: يجوز أ، يكون كان يرى خيالها على هيئاتٍِ مختلفة، فاعتقد لاختلاف هيئته أنه عدة خيال، فلذلك نكره، كأنه قصد إلى واحدٍ منها، ومثله:

خيالٌ لزينب قد هاج لي ... نكاساً من الحب بعد اندمال

فقلت لها أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فردت بتأهيلٍ وسهلٍ ومرحب

حكى ما دار بينه وبين الخيال. والخيال يذكر ويؤنث. ونبه بكلامه على أنه أظهر لها قبولاً حسناً، وبشراً وطلاقةً، فعل المتشوف لها، المتشوق إلى لقائها، وأنه تلقاها بالترحيب والتأهيل ساعة طلوعها، فأجابته بمثل ذلك. وانتصب أهلاً بفعلٍ مضمرٍ كأنه قال أتيت أهلاً لا غرباء، وسهلاً من المنازل لا حزناً، ورحباً من الأماكن لا ضيقاً: والتأهيل: مصدر أهلته أي قلت له أهلاً. وكان يجب أن يقول فردت بتأهيل وتسهيل وترحيبٍ، لو أتى بالكلام على حدٍ واحدٍ، لكنه أتى في بعضه بحكاية اللفظ،

<<  <   >  >>